قَالَ ابْن جرير: وذكر قوم أن سبب موت الهادي: أنه لما أخذ فِي خلع هارون والبيعة لابْنه جَعْفَر خافت الخيزران عَلَى هارون منه، فدست من جواريها لما مرض من غمه وجلس عَلَى وجهه، ووجهت إِلَى يَحْيَى بْن خالد: إن الرجل قَدْ تُوُفِّيَ، فاجدد فِي أمرك [1] .
وَكَانَ الهادي قَدْ أمر أن لا يسار قدام الرشيد بحربة، فاجتنبه الناس وتركوه، وطابت نفس هارون بالخلع لشدة خوفه عَلَى نفسه، فخلعته جماعة من القواد وبايعوا لجعفر بْن مُوسَى [2] ، ودخل هارون عَلَى موسى فَقَالَ لَهُ: يا هارون، كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا، فقال: إني لأرجو [أن يفضي] [3] الأمر إلي، فأنصف وأصل، فَقَالَ لَهُ: ذلك الظن بك، فأجلسه معه وأمر له بألف ألف دينار، وكانت الرؤيا أن المهدي قَالَ: رأيت فِي منامي كأني دفعت إِلَى موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأورق قضيب موسى من [4] أعلاه قليلا، وأورق فِي قضيب هارون من أوله إِلَى آخره، فدعا المهدي الحكم بْن موسى فَقَالَ لَهُ: أعبر هَذِهِ الرؤيا، فقال: يملكان جميعا فتقل أيام موسى، ويبلغ هارون آخر مدى مَا عاش خليفة، وتكون أيامه أحسن أيام. فلم يلبث الهادي إلا يسيرا حَتَّى اعتل ثلاثة أيام ومات.
وحكى أَبُو بكر الصولي: أنه خرج عَلَى ظهر قدمه بثرة، فصارت كاللوزة، وافتصد ومات بعد ثلاث، وجاءت أمه الخيزران/ وبه رمق، فأخذت خاتمه من يده وقالت: 151/ أأخوك أحق بهذا الأمر منك. وَهُوَ يرى ذلك ولا يقدر عَلَى حيلة.
تُوُفِّيَ الهادي بعيساباذ للنصف من ربيع الأول من هَذِهِ السنة، وقيل: لثلاث عشرة بقيت من ربيع وَهُوَ ابْن ست وعشرين سنة، وقيل: ثلاث وعشرين، وصلى عليه أخوه هارون ودفن فِي بستانه بعيساباذ، وكانت خلافته سنة وشهرا وثلاثة عشر يوما، وقيل:
سنة وثلاثة أشهر، وقيل وشهرين وأحد عشر يوما [5] .