أحب، فإن أبى أن يرجع فقل لَهُ: يَقُول لك أمير المؤمنين لست للعباس، وأنا بريء من مُحَمَّد، إن مضيت مشاقا ولم تأتني، إن وكلت أمرك إِلَى أحد سواي، وإن لم أل طلبك وقتالك بْنفسي، ولو خضت البحر لخضته، ولو اقتحمت النار لاقتحمتها حَتَّى أقتلك أو أموت قبل ذلك، ولا تقولن لَهُ هَذَا الكلام حَتَّى تيأس من رجوعه، ولا تطمع منه فِي خير.
فسار أَبُو حميد فِي مأمن من أصحابه ممن يثق بهم، حَتَّى قدموا على أبي مسلم بحلوان، فدخل عليه أَبُو حميد، فدفع إِلَيْهِ الكتاب وَقَالَ لَهُ: إن الناس يبلغونك عَنْ أمير المؤمنين مَا لم يقله، وخلاف مَا عليه رأيه فيك، حسدا وبغيا، يريدون إزالة هَذِهِ النعمة وتغييرها، فلا تفسد مَا كَانَ منك، وإنك لم تزل أمين آل مُحَمَّد، يعرفك بذلك الناس، وما ذخر اللَّه لك من الأجر عنده أعظم مما أنت فِيهِ من دنياك، فلا تحبط أجرك، ولا يستهوينك الشيطان.
فَقَالَ لَهُ أَبُو مسلم: متى كنت تكلمني بهذا؟ فَقَالَ: لأنك دعوتنا إِلَى هَذَا وإلى طاعة أَهْل بيت النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمرتنا بقتال من خالف ذلك، وقلت: إن خالفتكم فاقتلوني.
فعند ذلك أقبل [1] أَبُو مسلم على أبي نصر فَقَالَ: يا مالك، أما تسمع مَا يَقُول لي هَذَا، مَا هَذَا بكلامه. فَقَالَ: لا تسمع قوله، فما هَذَا بكلامه، وما بعد هَذَا أشد منه، فامض لأمرك ولا ترجع، فو الله لئن أتيته ليقتلنك، ولقد وقع فِي نفسه منك شيء لا يأمنك [2] أبدا. فَقَالَ أَبُو مسلم: قوموا. وأرسل إِلَى نيزك فَقَالَ: مَا ترى؟ فَقَالَ: مَا أرى أن تأتيه، وأرى أن تأتي الري، فتقيم بها، فيصير مَا بين خراسان والري لك، وهم جندك لا يخالفك أحد، فإن استقام لك استقمت لَهُ، وإن/ أبي كنت في جندك، وكانت 5/ ب خراسان من ورائك، فرأيت رأيك.
فدعا أبا حميد فَقَالَ: ارجع إِلَى صاحبك، فليس من رأي أن آتيه. فَقَالَ: قَدِ اعتزمت على خلافه. قَالَ: لا تفعل. قَالَ: مَا أريد أن ألقاه. فلما آيسه من الرجوع قَالَ لَهُ: مَا أمره أَبُو جعفر أن يقوله. فوجم طويلا ثُمَّ قَالَ: قم. فكسره ذلك القول وأرعبه.
وَكَانَ أَبُو جعفر قَدْ كتب إِلَى أبي داود وَهُوَ خليفة أبي مسلم بخراسان حين اتهم أبا مُسْلِم: إن لك إمرة خراسان مَا بقيت. فكتب أَبُو داود إلى أبي مسلم: إنا لم نخرج