سَاجِدًا يَدْعُو وَيَقُولُ: «اللَّهمّ إِنِّي لَمْ أَعْتَمِدْ مَا جَرَى، فَلا تُهْلِكْ عِبَادَكَ بِذَنْبِي، وَهَذِهِ نَاصِيَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ» . فَلَمَّا تَعَالَى النَّهَارُ أَمِنَ النَّاسُ وَتَرَاجَعُوا، فَقَالَ لَهُمْ: يَنْهَدِمُ فِي بَيْتِ أَحَدِكُمْ حَجَرٌ فَيَبْنِيهِ وَيُصْلِحُهُ، وَأَتْرُكُ الْكَعْبَةَ خَرَابًا. ثُمَّ هَدَمَهَا مُبْتَدِئًا بِيَدِهِ، وَتَبِعَهُ الْفَعَلَةُ إِلَى أن بلغوا إلى قواعدها، ودعي بناءين مِنَ الْفُرْسِ وَالرُّومِ. فَبَنَاهَا.
ولما هلك يزيد مكث الحصين بن نمير وأهل الشام يقاتلون ابن الزبير ولا يعلمون بموت يزيد أربعين يوما وقد حصروهم حصارا شديدا، وضيقوا عليهم، فبلغ موته ابن الزبير قبل أن يبلغ حصين، فصاح بهم ابن الزبير: إن طاغيتكم قد هلك، فمن شاء منكم أن يدخل فيما دخل فيه الناس فليفعل، ومن كره فليلحق بشآمه، فما صدقوا، حتى قدم ثابت بن قيس بن المنقع [2] النخعي، فأخبر الحصين بذلك، فبعث الحصين بن نمير إلى ابن الزبير: موعد ما بيننا وبينك الليلة الأبطح. [فالتقيا] [3] ، فقال له الحصين:
إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق بهذا الأمر، هلم فلنبايعك، ثم اخرج معي إلى الشام، فإن هذا الجند الذين معي [هم] وجوه أهل الشام وفرسانهم، فو الله لا يختلف عليك اثنان [4] ، وتؤمن الناس، وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا وبينك. فقال: لا أفعل، ولأقتلن بكل رجل عشرة [5] . فقال الحصين: قد كنت أظن أن لك رأيا، أنا أدعوك إلى الخلافة وأنت تعدني بالقتل.
ثم خرج وصاح في الناس/ فأقبل بهم نحو المدينة، وندم ابن الزبير على ما صنع، فأرسل إليه: أما أن أسير إلى الشام فلست فاعلا لأني أكره الخروج من مكة،