أحب إلي من قتل أهل المدينة، ولا أرجى [عندي] [1] في الآخرة. ومات فدفن بالمشلل [2] .
ثم خرج الحصين بن نمير بالناس، فقدم على ابن الزبير مكة لأربع بقين من المحرم، فحاصر ابن الزبير أربعا وستين يوما حتى جاءهم- يعني يزيد بن معاوية- لهلال ربيع الآخر، وكان القتال في هذه المدة شديدا، وقذف البيت بالمجانيق [3] في يوم السبت ثالث ربيع الأول، وأحرق بالنار، وكانوا يرتجزون ويقولون: [4]
كيف ترى صنيع أم فروه ... تأخذهم بين الصفا والمروه
يريدون بأم فروة: المنجنيق.
وروى الواقدي، عن أشياخه [5] : أنهم كانوا يوقدون حول البيت، فأقبلت شرارة فأحرقت ثياب الكعبة وخشب البيت في يوم السبت ثالث ربيع الأول.
وفي رواية: أن رجلا أخذ قبسا في رأس رمح له، فطارت به الريح فاحترق.
وَرَوَى الْمَدَائِنِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، قَالَ [6] : لَمَّا سَارَ أَهْلُ الشَّامِ فَحَاصَرُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ سَمِعَ أَصْوَاتًا مِنَ اللَّيْلِ فَوْقَ الْجَبَلِ، فَخَافَ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الشَّامِ قَدْ وَصَلُوا إِلَيْهِ، وَكَانَتْ لَيْلَةً ظَلْمَاءَ ذَاتَ رِيحٍ شَدِيدَةٍ وَرَعْدٍ وَبَرْقٍ، فَرَفَعَ نَارًا عَلَى رَأْسِ رُمْحٍ لِيَنْظُرَ إِلَى النَّاسِ، فَأَطَارَتْهَا الرِّيحُ فَوَقَعَتْ عَلَى أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ فَأَحْرَقَتْهَا وَاسْتَطَارَتْ فِيهَا، وَجَهِدَ النَّاسُ فِي إِطْفَائِهَا فَلَمْ يَقْدِرُوا/ فَأَصْبَحَتِ الْكَعْبَةُ تَتَهَافَتُ، وَمَاتَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، فَخَرَجَ النَّاسُ كُلُّهُمْ مَعَ جِنَازَتِهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يَنْزِلَ الْعَذَابُ عليهم، وأصبح ابن الزبير