كان فيها إلى منزل هانئ بن عروة المرادي، وكتب مسلم إلى الحسين ببيعة اثني عشر ألفا من أهل الكوفة، ويأمره بالقدوم، ثم دخل على عبيد الله بن زياد جماعة من وجوه أهل الكوفة، فقَالَ: ما بال هانئ بن عروة لم يأتني؟ فأخبروا هانئا، فانطلق إليه فقَالَ: يا هانئ، أين مسلم؟ قَالَ: لا أدري. فقَالَ عبيد الله لمولاه الذي أعطاه الدراهم: اخرج.
فخرج، فلما رآه قَالَ: أصلح الله الأمير، والله ما دعوته إلى منزلي، ولكنه جاء فطرح نفسه عليّ، قال: ائتني به، قَالَ: والله لو كان تحت قدمي ما رفعتهما عنه. فضربه [على حاجبه] [1] فشجه، ثم حبسه فنادى مسلم أصحابه، فاجتمع إليه من أهل الكوفة أربعة آلاف، فمضى بهم إلى القصر، فأشرف أصحاب عبيد الله على أهاليهم يعدونهم ويقولون: غدا يأتيكم جنود الشام. فتسللوا، فما اختلط الظلام حتى بقي مسلم وحده، فأوى إلى امرأة، فعلم به ابنها، وكان عبيد الله قد نادى: إنه من وجد فِي داره فقد برئت منه الذمة، ومن جاء به فله ديته. فأخبر به، فبعث عبيد الله إليه صاحب الشرطة عمرو بن حريث، ومعه عَبْد الرَّحْمَنِ بن مُحَمَّد الأشعث، فلم يعلم مسلم حتى أحيط بالدار، فخرج إليهم بسيفه فقاتلهم، فأعطاه عَبْد الرَّحْمَنِ الأمان، فأمكنه من يده، فحملوه على بغلة، وانتزعوا سيفه منه، فقَالَ: هذا أول الغدر. وبكى، فقيل له: من يطلب مثل هذا الذي تطلب إذا نزل به مثل هذا لم يبك. فقَالَ: والله ما أبكي على نفسي، بل على حسين وآل حسين. ثم التفت إلى عَبْد الرَّحْمَنِ فقَالَ: هل يستطيع أن يبعث من عندك رجلا على لساني، يبلغ حسينا، فإني لا أراه إلا قد خرج إليكم، فيقول له ارجع ولا تغتر بأهل الكوفة.
134/ أفبعث رجلا، فلقي/ الحسين بزبالة، فأخبره [الخبر] [2] ، فقَالَ: كل ما حم نازل. ولما جيء بمسلم إلى عبيد الله بن زياد [3] أخبره عَبْد الرَّحْمَنِ أنه قد أمنه، فقَالَ:
ما أنت والأمان، إنما بعثناك لتجيء به لا لتؤمنه. فأمر به، فأصعد إلى أعلى القصر، فضربت عنقه، وألقى جثته إلى الناس، وأمر بهانئ، فقتل في السوق، وسحب إلى الكناسة، فصلب هناك.