فَبَلَغَ مَعِي وَجَعَلَ يُنَادِي عَلَى بَابِي: إِنَّ حُوَيْطِبَ آمِنٌ فَلا يَهْجُ. ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال: «أو ليس قَدْ آمَنَّا النَّاسَ كُلَّهُمْ إِلا مَنْ أَمَرْتُ بِقَتْلِهِ» .
فَاطْمَأْنَنْتُ وَرَدَدْتُ عِيَالِي إِلَى مَوَاضِعِهِمْ، وَعَادَ إِلَيَّ أَبُو ذَرٍّ [1] فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ حَتَّى مَتَى وَإِلَى مَتَى قَدْ سَبَقْتَ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا وَفَاتَكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ وَبَقِيَ خَيْرٌ كَثِيرٌ فَأْتِ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأسلم تسلم، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَرُّ النَّاسِ وَأَوْصَلُ النَّاسِ وَأَحْلَمُ النَّاسِ.
قُلْتُ: فَأَنَا أَخْرُجُ مَعَكَ/ فَآتِيهِ، فَخَرَجْتُ مَعَهُ حَتَّى أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْبَطْحَاءِ وعنده 112/ أأبو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَوَقَفْتُ عَلَى رَأْسِهِ وَقَدْ سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ: كَيْفَ يُقَالُ إِذَا سُلِّمَ عَلَيْهِ؟ قَالَ: قُلْ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، قَالَ: «وَعَلَيْكَ السَّلامُ، أَحُوَيْطِبٌ؟» قُلْتُ: نَعَمْ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ: «الْحَمْدُ للَّه الَّذِي هَدَاكَ» . وَسُرَّ بِإِسْلَامِي وَاسْتَقْرَضَنِي مَالا فَأَقْرَضْتُهُ أَرْبَعِينَ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَشَهِدْتُ مَعَهُ حُنَيْنًا وَالطَّائِفَ، وَأَعْطَانِي مِنْ غَنَائِمِ حُنَيْنٍ مِائَةَ بَعِيرٍ.
ثم قدم حويطب بعد ذلك المدينة فنزلها وله بها دار. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ:
بَاعَ حُوَيْطِبٌ دَارَهُ بِمَكَّةَ مِنْ مُعَاوِيَةَ بِأَرْبَعِينَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقِيلَ لَهُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ، فَقَالَ: وَمَا أَرْبَعُونَ أَلْفَ دِينَارٍ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ خَمْسَةٌ مِنَ الْعِيَالِ.
ومات حويطب بالمدينة فِي هذه السنة وله مائة وعشرون سنة.
أسلم يوم الفتح، وشهد مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حنينا وأعطاه من غنائمها خمسين بعيرا، وكان ممن يجدد أنصاب الحرم كل سنة معرفة بها حتى ذهب بصره فِي آخر خلافة عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وتوفي بالمدينة فِي هذه السنة وهو ابن مائة وعشرين سنة.