واشتمل بفرو أسد، قد جعل الجلد مما يلي بدنه، فجلست في أخريات القوم، وأخرجت الكاغذ.
وانتظرت ما يذكر من الإسناد، فلما فرغوا قال الشيخ: حدثنا الأول، عن الثاني، عن الثالث أن الزنج والزط كلهم سود.
وحدثني خرباق، عن رباق، عن نباق، قال: مطر الربيع ماء كله.
وحدثني دريد، عن وريد، عن الرشيد، قال: الضرير يمشي رويد.
قال أبو بكر أحمد بن يعقوب: فبقيت أتعجب من أمر الشيخ، فطلبت منه خلوة في أيام أعود إليه كل يوم فلا أصل إليه، حتى كانت الليلة التي يخرج فيها الناس إلى الغدير، اجتزت بباب داره، فإذا الدار ليس فيها أحد، فدخلت فإذا أنا بالشيخ وحده جالس في صدر الدار، فدنوت منه فسلمت عليه، فرحب بي، وأدناني وجعل يسألني، ورأيت منه من جميل المحيا والعقل والأدب والظرافة واللباقة ما تحيرت.
فقال لي: هل من حاجة؟ قلت: نعم.
قال: وما هي؟ قلت: قد تحيرت في أمر الشيخ وما هو مدفوع إليه، مما لا يليق بعقله، وحسن أدبه، وبيانه وفصاحته، فتنفس تنفسا شديدا، ثم قال: يا بني، إن الاضطرار يرفع الاختيار، إن السلطان أرادني على عمل لم أكن أطيقه، وحبسني في المطبق أيام حياته، فلما ولي ابنه عرض علي ما عرض علي أبوه، فأبيت، فحبسني وردني إلى أسوأ مما كنت فيه، فذهبت من يدي ما كنت أملكه، فاخترت سلامة الدين، ولم أتعرض لشيء من الدنيا بشيء من ديني، وصنت العلم