وفي حديث آخر أنه قال صلى الله عليه وسلم: «رباطُ يوم وليلة خيرٌ من صيام شهر وقيامِه. وإن مات جرى عليه عملُه الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأَمِنَ الفَتّان» (?) رواه مسلم.

قال: (وتجب الهجرة على من يَعجز عن إظهارِ دينه في دار الحرب، وتستحب لمن قدَر عليه).

أما كونُ الهجرةِ، وهي: الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام: تجب على من يعجز عن إظهار دينه في دار الحرب؛ فلأن الله تعالى قال: {إن الذين تَوَفّاهم الملائكة ظالمِي أنفسِهم قالوا فيم كنتُم قالوا كنّا مستضعفين في الأرضِ قالوا ألم تَكن أرض الله واسعةً فتُهاجروا فيها} [النساء: 97] إلى غير ذلك من الآيات.

وفي إطلاق المصنف رحمه الله وجوب الهجرة إشعارٌ ببقاء حكمها، وهو صحيح؛ لأن حكم الهجرة عندنا باقٍ إلى يوم القيامة؛ لأن الآيات والأخبارَ الدالة عليها شاملةٌ لكل زمان. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تَنقطع الهجرة ما كان الجهاد» (?) رواه سعيد وغيره.

وعن معاوية سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا تنقطع الهجرة حتى تنقطعَ التوبةُ، ولا تنقطع التوبةُ حتى تطلع الشمس من مغربها» (?) أخرجه أبو داود.

وأما قوله عليه السلام: «لا هجرة بعد الفتح» (?)، وقوله: «قد انقطعت الهجرة ولكن جهاد ونية» (?) رواهما سعيد. فمعناهما: لا هجرة من مكة بعد فتحها، أو لا هجرة من بلدٍ بعد فتحه؛ بدليل أنه قال ذلك لمن أراد أن يهاجر من مكة بعد فتحها.

روي «أن صفوان بن أمية قيل له بعد الفتح: أنه لا دين لمن لا يهاجر. فأتى المدينة [فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ما جاء بك أبا وهب؟ ] (?) فقال له ذلك. فقال: ارجع أبا وهب. فقد انقطعت الهجرة، ولكن جهاد ونية» (?). يعني من مكة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015