فأفضل الْجُوع جوع الْمَنْع وجوع التَّكَلُّف يفتضح بالشبع وَإِن كَانَ فِي الصَّوْم جوع فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ الترهب لله عز وَجل والسياحة لذَلِك وَكَذَلِكَ يرْوى عَن الله عز وَجل قَالَ (الصَّوْم لي وَأَنا أجزي بِهِ يدع ابْن آدم طَعَامه وَشَرَابه من أَجلي)
وَهَذَا هُوَ التَّرْغِيب فَمن دَعَا النَّاس إِلَى الْجُوع فقد عصى الله وَهُوَ يعلم أَن الْجُوع قَاتل وَقد فعل ذَلِك بِخلق كثير من زَوَال الْعقل حَتَّى تركُوا الْفَرَائِض وَمِنْهُم من يعمد إِلَى سكين فَيذْبَح نَفسه وَمِنْهُم من يتَغَيَّر طبعه ويسوء خلقه
قَالَ وهب بن مُنَبّه إِذا صَامَ العَبْد زاغ الْبَصَر وَإِذا أفطر على الْحَلْوَى رَجَعَ
وَمن دَعَا إِلَى الشِّبَع فقد عصى الله وَلم يحسن أَن يطيعه لِأَن الشِّبَع ثقل على الْبدن وصلابة عَن وَعِيد الله فِي الْقلب وَغلظ فِي الْفَهم وفتور فِي الْأَعْضَاء
فَبَان فضل الْجُوع للاجئين إِلَى الله الَّذين استرهبتهم الْخدمَة بعظيم قدر الْمعرفَة وَالله تَعَالَى مَانع ومعط إِلَّا أَنهم يختارون ذَلِك ورعا وخوفا وتقية من عسر الْحساب فنظروا إِلَى عناء مَا وصل إِلَيْهِم من الْغذَاء من مُؤمن موفق أَو هَدِيَّة صَالِحَة مِمَّن يعْتَقد مكافأته لِأَنَّهُ مستبعد بِأَكْل الْحَلَال
وَهَذَا مَا وَصفنَا فِي الْجُوع وَكله مُحْتَاج إِلَى ورع ليصفوا بذلك طيب المأكل وَالْمشْرَب من مَوضِع مُطلق مُبَاح بِالْإِجْمَاع لَا خلاف فِيهِ