واعلم أن جمهور العصاة اعتمدوا على رحمة الله وعفوه وكرمه, ونسوا أنه شديد العقاب, وظنوا
أن رحمة الله من جنس الرقة فقاسوها برحمة الخلق, والآدمي إذا رأى عدوه يعذب رق له, ورحمة الله ليست من هذا الجنس.
وأما من طلب العفو مع الإصرار فهو كالمعاند المتهاون بالوعيد.
قال معروف الكرخي: (رجاؤك لرحمة من لا تطيعه خذلان وحمق) .
وقد قال بعض الحكماء: من قطع أشرف عضو منك في الدنيا بسرقة خمسة قراريط, فلا يأمن أن يكون عقابه في الآخرة على نحو هذا.
ومن عرف أن الخليل يسأل يوم القيامة في أبيه فلا يجاب, وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل في أمه فلم يقبل, فينبغي أن يكون على قلق, وإلى هذا المعنى أشار الحسن بقوله لما قيل له: نراك طويل البكاء؟ فقال: ((أخاف أن يطرحني في النار, ولا يبالي)) .
وقد يعاقب الإنسان على المحتقر فلهذا لزم تقديم التخويف.
1- أخبرنا أبو محمد عبد الله بن علي المقري قال: أخبرنا طراد بن محمد الزينبي قال: أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال: أخبرنا الحسين بن صفوان قال: ثنا أبو بكر عبد الله بن محمد القرشي قال: حدثني أحمد بن إبراهيم عن علي بن شقيق عن ابن المبارك عن سعيد بن زيد قال: سمعت معلى بن زياد يقول: سأل المغيرة بن مخادش الحسن فقال:
-[30]-
((يا أبا سعيد كيف نصنع بمجالسة أقوام يحدثونا حتى تكاد قلوبنا تطير؟ فقال: أيها الشيخ, والله لأن تصحب أقواماً يخوفونك حتى تدرك أمناً خيراً لك من أن تصحب أقواماً يؤمنونك حتى تلحقك المخاوف)) .