جعفر فحمد الله وقال [297 أ]: هذا أوّل الفتح إن شاء الله. وبات على تحرّس واحتراس. فلمّا كان عند صلاة الفجر من يوم الأحد لأربع خلون منه، تعبّأ الفريقان واقتتلوا قتالا شديدا قتل فيه يانس، وانهزم أصحابه إلى المدينة. فكان أوّل من سبق إليها فتوح بن علي بن عقيانان بن الحسن الكتاميّ (?)، فقال لمن بها: البشرى يا أهل طرابلس! قد فتح الله لنا وقتلنا صنهاجة مقتلة عظيمة!
ففتحوا له الباب. فلمّا دخل وكّل من وقف عليه حتى وصل إليه المنهزمون. وشغل القائد جعفر بن حبيب عن اتّباع المنهزمين بما أصابه من الغنائم، وبمن قتل من الرجال حتى أفناهم عن آخرهم إلّا من فرّ. وتقدّم إلى طرابلس فوجد القوم قد تحصّنوا ونصبوا العرّادات وجعلوا الرجال على السور. فنزل بالمرج على نحو ميلين عن المدينة، وكانت بينه وبينهم وقائع كثيرة. وأخذ يجبي بوادي طرابلس وجميع قبائل البربر من هوارة ولماته وزناته وغيرهم وفرّق عمّاله إلى أن بلغه أنّ فلفل بن سعيد (?) الثائر على نصير الدولة قد توجّه يريد طرابلس، فجمع أصحابه ليلقاه ويحاربه فاختلفوا عليه. فرحل بهم في رجب سنة إحدى وتسعين إلى ناحية الجبل (?)، وكان يوما شديد [372 أ] الحرّ، وكان مع عساكره من الأثقال والعيال والأطفال ما لا يوصف. فاشتدّ بهم العطش حتى مات كثير منهم، وأسلم بعضهم ولده. وشرب رجل شربة فاستنقد عنها مائة
درهم. وطلبت امرأة من زوجها شربة فقال لها:
أنت طالق- ومضى عنها، فسقاها آخر شربة تزوّجها بها.
وسار جعفر بمن معه إلى جبال نفوسة، ولم يدخلها سلطان قبله، فآواه النفوسيّون.
ووصل فلفل بن سعيد إلى المناخ الذي كان به جعفر. فلمّا علم أين قصد تبعه حتّى قرب منه، فجمع جعفر أصحابه ليقاتله فاختلفوا عليه، ثمّ أجمعوا على القتال فزحف بهم على تعبئته. فلمّا أحسّ بهم فلفل رحل إلى طرابلس، فمضى جعفر عائدا إلى المدينة المنصوريّة فوصل إليها يوم الأربعاء لتسع بقين من شهر رمضان، ووصل فلفل بن سعيد إلى طرابلس فملكها حتّى مات.
ولم يزل جعفر بن حبيب على حاله إلى أن مات بالمنصوريّة يوم السبت لليلة بقيت من شهر ربيع الآخر سنة إحدى وأربعمائة.
وكان رجلا حليما عاقلا صبورا فاضلا بعيد الغضب محتملا مفتقدا لأحوال رجاله وحاشيته، فمن علم به منهم خلّة سدّها مسديا له بذلك من غير سؤال. وكان مقتصدا في أموره غير مبذّر ولا مقتّر ضحوكا مستبشرا أبدا.
وولي ابنه هاشم بن جعفر بعده ما كان تولّاه من كتابة نصير الدولة أبي مناد باديس.
[373 أ] أبو [ ... ]، ابن قائد القوّاد أبي عبد الله ابن القائد أبي الحسين جدّه جوهر، [و] هو الذي أخذ مصر وبنى القاهرة. وتقدّم أبوه الحسين في أيّام الحاكم بأمر الله تقدّما زائدا ثمّ قتله كما تقدّم