مصطفى زيادة طبعته لهذا الكتاب، وهو خطّ مؤلّفه كما بيّن المحقّق. هذا، وسنفصّل الحديث عن هذه المخطوطات «الأوروبيّة» حين نقدّم الكتاب إلى الطباعة.

أمّا الآن فنبحث في القسم الخامس- وهو في الواقع الأوّل لأنّه يفتتح بالهمزة ويتواصل حتى الخاء- وهو مخطوط المكتبة السليمية بإسطنبول (?) الذي لم يحظ بكشف ولا وصف، ما عدا وثيقة التثبّت من صحّة عنوانه وصحّة نسبته إلى المقريزي، وهي وثيقة محرّرة سنة 1246/ 1829 من شخص اسمه عبد الباقي لم يذكر صفته ولا تاريخ الحصول على المخطوط ولا مصدره.

وهو مخطوط حقيق بالبحث الدقيق عن طرق وصوله إلى المكتبة التركيّة: فهو الجزء الوحيد، من أقسام المقفّى الخمسة، الذي وصل إلينا في شكل نهائيّ، لا في مسوّدة. وهو ليس مكتوبا بخطّ المقريزي السريع المضطرب، بل هو مكتوب بخطّ أنيق نظيف متأنّ- وإن كان صعب القراءة أحيانا لقصور الناسخ عن فهم الكلمة. ثمّ إنّه أكمل مادّة وأوضح نسقا وأبين تنظيما من أجزاء باريس وليدن:

فتراجمه مسترسلة من حرف الهمزة إلى الخاء، دون انقطاع فجائيّ كما في مخطوط ليدن 1 بين الهمزة والكاف، ودون اختصار محيّر كما في مخطوط باريس الذي حصر حرف الظاء في ترجمة ظافر الحدّاد وحده.

ولهذا الجزء خاصّيّة أخرى، ولكنّها تبعث على التساؤل: فقد ذكرت فيه كافّة التراجم من حرف الهمزة التي يفتتح بها جزء ليدن 1 - وهي نحو عشرين ترجمة- دون أن تتكرّر في المقابل بقيّة تراجم الهمزة من جزء السليميّة- وهي نحو سبعمائة ترجمة- في جزء ليدن. ومخطوط ليدن هو مسوّدة المؤلّف كما قلنا. فكان من المفروض أن يكون هو الأوفر مادّة: فكيف نفسّر فقره- في حرف الهمزة على الأقلّ- بإزاء ثراء المخطوط التركيّ في هذا الحرف؟ فهل ضاعت منه بقيّة تراجم الهمزة، وما يليها إلى حرف اللام؟ وفي المقابل، من أين استقى ناسخ السّليميّة التراجم الزائدة على مسوّدة ليدن؟ .

ولا مانع من أنّ نعتبر أنّ الأصل الذي اعتمد عليه ناسخ المخطوط التركيّ كان أيضا مسوّدة، وربّما كان مسوّدة بخطّ المقريزيّ: فالناسخ أبقى على الثغرات والبياض الذي يترك لتعميره فيما بعد بمعلومة مدقّقة غابت عن المؤلّف عند تحرير «جذاذته» كيوم الوفاة أو شهرها، أو اسم بعض الشيوخ، أو بعض المواضع والبلدان، فأرجأ الإكمال إلى فترة التبييض أو التحرير النهائيّ، ولكنّه مات قبل أن يبيّض أو يكمل الكتاب- ذاك ما يقولهمترجمو المقريزيّ كما سنرى، وذاك ما نلاحظه بكثرة في الأجزاء الأوروبيّة من الكتاب وهي كما قلنا بخطّ المؤلّف. وقد يبلغ البياض أسطرا كثيرة، وقد تقف الترجمة عند قول المؤلّف: ومن شعره ... ولا شعر. بل ربّما اقتصر على تسجيل اسم المترجم دون أيّ معلومة أخرى، في انتظار أن يجمع مادّة الترجمة.

وافتراضنا أنّ الأصل الذي نقل عنه مخطوط السليميّة كان هو أيضا مسوّدة، هذا الافتراض يستوجب وجود أكثر من مسوّدة واحدة، نظرا للتفاوت بين هذا الأصل المفترض ومسوّدة ليدن.

هذه جملة من التساؤلات في خصوص أصول المقفّى ومدى اكتماله، وطرق انتقاله إلى تركيا وإلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015