وإلى هذا الصنف ينتسب كتاب «المقفّى» للمؤرّخ المصري الكبير تقيّ الدين المقريزيّ. ولذلك يسمّيه السخاوي نفسه تارة «تاريخ مصر» وتارة «تاريخ المقريزي» (?) مع أنّ المقريزي ألّف أيضا تواريخ في الحوادث والماجريات، منها اتّعاظ الحنفاء وكتاب السلوك. وقد نبّه المقريزي إلى هذه الميزة في المقفّى فقال: «كتابنا الكبير المقفّى هو كتاب تراجم ووفيات، كما أنّ هذا الكتاب (السلوك) كتاب حوادث وماجريات» (?). فهو كتاب تراجم مصريّة أي تراجم أعيان ولدوا بمصر ونشئوا بها أو طرءوا عليها فتعلّموا بها أو اتّخذوها مقرّا دائما. وقد تفوق نسبة الطارئين والزائرين المارّين نسبة الأصيلين المقيمين، ممّا يبعد الكتاب عن أن يكون «معجما قوميّا» بالمعنى المعاصر للقوميّة، لا سيّما وأنّ الكتاب وصل إلينا مبتور الأوّل والآخر، فلا يمكن لنا أن نعرف منهج المقريزيّ في تصنيفه، ولا الغاية التي قصد إليها، ولا الأسّ الذي بنى عليه اختياره. وأقصى ما نظفر به هو إشارات عابرة في غضون بعض التراجم نفهم منها أنّه يذكر كلّ من عاش بمصر من الأعيان ومن ورد عليها، حتّى من دخلها ميتا في تابوت! ولا نعرف كذلك السرّ في وسمه بالمقفّى؟ وقد لاحظ الصفدي في الوافي (1/ 63) أنّ «المقفّى اسم من أسماء الرسول صلّى الله عليه وسلم». فهل ختم به المقريزيّ كتبه كما كان محمد خاتم الرسل؟ .

والمقفّى وصل إلينا ناقصا مبتورا، في خمسة أجزاء تتضمّن بعض حروف المعجم دون البعض، زيادة على ما نفتقده فيها من تراجم يصرّح المقريزي نفسه بأنّه أنجزها في الكتاب. وهذه الأقسام تتوزّع كما يلي:

- جزء بالمكتبة الوطنية بباريس (?) يشمل بعض التراجم من حرف الطاء وترجمة وحيدة من الظاء، وجانبا وافرا من حرف العين، عبد الله وأضرابه، دون علي وعمر، والمجموع 159 ترجمة.

- ثلاثة أجزاء بالمكتبة الجامعيّة بليدن (?) مرتّبة ل 1 ول 2 ول 3، تشمل نحو عشرين ترجمة من حرف الهمزة، وترجمتين في الكاف، وثلاثا في اللام، ثم جانبا كبيرا- وربّما كاملا- من المحمّدين.

ومجموعها 2126 ترجمة (848+ 695+ 583).

وهذه الأجزاء الأربعة هي التي عرفها المستشرقون منذ القرن التاسع عشر، وبعض الدارسين في عصرنا الحاضر، فوصفوها ونبّهوا إليها ونشروا أو ترجموا نماذج منها أو مجموعات مختصّة كما فعل الإيطالي أماري بالصقلّيّين من المترجمين (?) أو حبيب الزيّات بأصحاب النوادر والفكاهات (?). وهي جميعا مسوّدات بخطّ المقريزيّ كما نبّه إلى ذلك دارسوها الأوّلون مثل دوزي (?) وكاترومير، وكما يتّضح من مقارنة خطّها بخطّ الصفحات النموذجيّة من مخطوط كتاب السلوك التي صدّر بها المرحوم محمد

طور بواسطة نورين ميديا © 2015