وستّمائة، وكانت جنازته عظيمة.
وكان تامّ المروءة كبير النفس ليس للمال عنده قدر. ولقد حصل له ألوف كثيرة من المال فأنفقها ولم يدّخر منها شيئا، ومات ولم يخلّف كفنا ولا شيئا من أسباب الدنيا. وكان مليح الخلق والخلق متواضعا كامل الأوصاف الجميلة والأخلاق الشريفة.
وحجّ مرّة وفي صحبته خلق من الفقراء لا يعلمهم إلّا الله. وكان مع ذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعظ في ثياب البذلة (?) ويغيث الملهوف ويعين المحتاجين.
ومن شعره قوله [158 أ] [البسيط]:
ربع الحمى مذ حللتم معشب نضر ... تروق أكنافه يزهو بها النظر
لا كان وادي الغضا لا ينزلون به ... ولا الحمى سحّ في أرجائه مطر
ولا الرياح وإن رقّت نسائمها ... إن لم تفد نشركم، لا ضمّها سحر
ولا خلت مهجتي تشكو دسيس جوى ... وحرّ قلبي بريّا حبّكم عطر
ولا رقت عبرتي حتّى تكون لمن ... ذاق الهوى وصبا في عبرتي عبر
وقوله [المخلّع]:
تصرّمت وحشة الليالي ... وأقبلت دولة الوصال
وصار بالوصل لي حسودا ... من كان في هجركم رثى لي
وحقّكم بعد إذ حصلتم ... بكلّ ما فات لا أبالي
تقاصرت عنكم قلوب ... فيا له موردا خلالي
عليّ ما للورى حرام ... وحبّكم في الحشا حلالي
تشرّبت أعظمي هواكم ... فما لغير الهوى وما لي
فما على عادم أجاجا ... وعنده [أعين] الزلال (1*)
ووعظ لمّا قدم دمشق فلم يتحرّك أحد فأنشد على الكرسيّ [الكامل]:
لا تسقني وحدي فما عوّدتني ... أنّي أشحّ بها على جلّاسي
أنت الكريم وما يليق تكرّما ... أن تحرم الندماء دور الكاس
فلم يبق أحد حتى تواجد وطاب، وقطّعت يومئذ جماعة شعورهم من على رءوسهم وتابوا عن الخطايا.
وقال مرّة في مجلس وعظه [البسيط]:
ما في الصحاب أخو وجد يطارحني ... حديث ليلى ولا صبّ يجاريني
فأنشد بعض الحاضرين:
ما في الرفاق أخو وجد يطارحه ... إلّا محبّ له في الركب محبوب
كأنّما يوسف في كلّ راحلة ... والحيّ في كلّ بيت منه يعقوب
فصاح ونزل عن المنبر وقصد الشابّ الذي أنشد البيتين وكان الجمع عظيما، فلم يجده ووجد موضعه حفرة فيها دم كثير من شدّة ما فحصبقدميه عند تواجده.