وكثر كلام الناس في أمر القضايا والأحكام والظلامات، وما يجري بينهم من الاختلاف في الترافع إلى قاضي القضاة الحسين، وإلى عبد العزيز. فكتب الحاكم بخطّ يده بعد البسملة:
«يا حسين، أحسن الله إليك، اتّصل بنا ما جرى من شناعات العوامّ، ومن لا خير فيه، وإرجافهم، فأنكرنا أن يجري مثله فيمن يحلّ محلّك من خدمتنا إذ كنت قاضينا وداعينا وثقتنا. ونحن نتقدّم بما يزيل ذلك، ولم نجعل لأحد غيرك نظرا في شيء من القضايا والحكم، ولا في شيء ممّا استخدمناك فيه، ولا مكاتبة أحد من [541 ب]
خلفائك بالحضرة وغيرها وسائر النواحي، ولا يكاتب أحدا منهم غيرك. ومن تسمّى غيرك بالقضاء، فذلك على المجاز في اللفظ ولا على الحقيقة، وقد منعنا غيرك أن يسجّل في شيء فنتقدّم إلى جميع الشهود والعدول بأن لا يشهدوا في سجلّ لأحد سواك. وإن تشاجر خصمان فدعي أحدهما إليك ودعا (?) الآخر إلى غيرك، كان الداعي إلى غيرك عليه الرجوع إليك طائعا أو مكرها. فاجر على ما أنت عليه من تنفيذ القضايا والأحكام، مستعينا بالله عزّ وجلّ، ثم نناولك من جميل رأينا فيك ما يسعدك في الدنيا والآخرة.
وقد أذنّا لك أن تكاتب جميع من يكاتب القاضي ب «قاضي القضاة»، كما جعلناك، ويكاتبك جميع من تكاتبه بذلك وتكتب به في سجلّاتك. فاعلم ذلك، وأشهر أمرنا بجميع ما يقتضيه هذا التوقيع ليمتثل، ولا تتجاوز! وفّقك الله لرضاه ورضانا، وأيّدك على ذلك وأعانك عليه إن شاء الله تعالى.
وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وسلّم تسليما».
فقرأه القاضي على سائر الشهود، وأمر أن يكتب في سجلّاته «قاضي القضاة» وكوتب بذلك وكتب عنه. فلم يزل على ذلك إلى أن صرفه الحاكم بأمر الله في يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان سنة أربع وتسعين وثلاثمائة، وهو جالس في داره يتصرّف في الأحكام على حين غفلة، فلم يشعر إلّا وقد قيل له: ولي عبد العزيز بن محمد بن النعمان، وقد حضر الجامع مخلوعا عليه.
فقال: يا قوم، هذا والله محال، لا حقيقة له، ولعلّه قلّد غير القضاء.
وبعث رسله فسمعوا ما في سجلّه حتى أخبروه