فقال: أريد أن يصار إلى أبوابنا الكتائب والمواكب والمقانب! ولا أرضى بأن يجري علينا كالولدان والنسوان.
فأعدت ذلك [على] أبيه فقال: ما أخوفني أن يخضب أبو القاسم هذه من هذه- وقبض على لحيته وهامته (?). وعلم بذلك أبو القاسم فصارت بينه وبينه وقفة.
ثمّ ذكر دوخلة خروجه من مصر إلى أن قال:
ورد عليّ كتاب أبي القاسم فسرت إلى ميّافارقين، فكان يسرّ حسوا في ارتغاء. قال لي يوما: لي أيّام ما رأيتك؟
قلت: أعرضت حاجة؟
قال: لا. أردت أن ألعنك.
قلت: فالعنّي غائبا.
قال: لا. في وجهك أشفى.
قلت: ولم؟
قال: لمخالفتك إيّاي فيما تعلم.
وقلت له، ونحن على أنس بيني وبينه: لي حرمات ثلاث: البلديّة، وتربية أبيه [لي]، وتربيتي لإخوته.
قال: هذه حرم مهتكة: البلديّة نسب بين الجدران، وتربية أبي لك منّة لنا عليك، وتربيتك لإخوتي بالخلع والدنانير.
[و] أردت أن أقول له: استرحت من حيث تعب الكرام، فخشيت جنونه، لأنّه كان جنونه مجنونا، وأصحّ منه مجنون، وأجنّ منه لا يكون، و [قد] أنشد [الطويل]:
جنونك مجنون، ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون
بل جنّ جنانه، ورقص شيطانه [الطويل]:
به جنّة مجنونة، غير أنّها ... إذا حصّلت، منه ألبّ وأعقل
وقال لي ليلة: أريد أن أجمع أوصاف الشمعة السبعة في بيت واحد، وليس يسنح لي ما أرضاه.
فقلت: أنا أفعل هذا الساعة.
قال: أنت جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب.
فأخذت القلم من دواته وكتبت بحضرته [الطويل]:
[464 أ] لقد أشبهتني شمعة في صبابتي ... وفي هول ما ألقى وما أتوقّع
نحول، وحرق في فناء ووحدة ... وتسهيد عين واصفرار وأدمع
فقال: كنت قد عملت هذا قبل هذا الوقت!
قلت: تمنعني سرعة الخاطر وتعطيني علم الغيب؟
وقلت [395 أ]: أنت ذاكر قول أبيك لي ولك وللبتّيّ الشاعر ولمحسن الدمشقيّ، ونحن في الطارمة (?): اعملوا قطعة قطعة فمن جوّد جلعت جائزته كتبها فيها- فقلت [الكامل]:
بلغ السماء سموّ بي ... ت شيد في أعلى مكان
بيت علا حتّى تغوّ ... ر في ذراه الفرقدان