المقفي الكبير (صفحة 1241)

فقال: أريد أن يصار إلى أبوابنا الكتائب والمواكب والمقانب! ولا أرضى بأن يجري علينا كالولدان والنسوان.

فأعدت ذلك [على] أبيه فقال: ما أخوفني أن يخضب أبو القاسم هذه من هذه- وقبض على لحيته وهامته (?). وعلم بذلك أبو القاسم فصارت بينه وبينه وقفة.

ثمّ ذكر دوخلة خروجه من مصر إلى أن قال:

ورد عليّ كتاب أبي القاسم فسرت إلى ميّافارقين، فكان يسرّ حسوا في ارتغاء. قال لي يوما: لي أيّام ما رأيتك؟

قلت: أعرضت حاجة؟

قال: لا. أردت أن ألعنك.

قلت: فالعنّي غائبا.

قال: لا. في وجهك أشفى.

قلت: ولم؟

قال: لمخالفتك إيّاي فيما تعلم.

وقلت له، ونحن على أنس بيني وبينه: لي حرمات ثلاث: البلديّة، وتربية أبيه [لي]، وتربيتي لإخوته.

قال: هذه حرم مهتكة: البلديّة نسب بين الجدران، وتربية أبي لك منّة لنا عليك، وتربيتك لإخوتي بالخلع والدنانير.

[و] أردت أن أقول له: استرحت من حيث تعب الكرام، فخشيت جنونه، لأنّه كان جنونه مجنونا، وأصحّ منه مجنون، وأجنّ منه لا يكون، و [قد] أنشد [الطويل]:

جنونك مجنون، ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون

بل جنّ جنانه، ورقص شيطانه [الطويل]:

به جنّة مجنونة، غير أنّها ... إذا حصّلت، منه ألبّ وأعقل

وقال لي ليلة: أريد أن أجمع أوصاف الشمعة السبعة في بيت واحد، وليس يسنح لي ما أرضاه.

فقلت: أنا أفعل هذا الساعة.

قال: أنت جذيلها المحكّك وعذيقها المرجّب.

فأخذت القلم من دواته وكتبت بحضرته [الطويل]:

[464 أ] لقد أشبهتني شمعة في صبابتي ... وفي هول ما ألقى وما أتوقّع

نحول، وحرق في فناء ووحدة ... وتسهيد عين واصفرار وأدمع

فقال: كنت قد عملت هذا قبل هذا الوقت!

قلت: تمنعني سرعة الخاطر وتعطيني علم الغيب؟

وقلت [395 أ]: أنت ذاكر قول أبيك لي ولك وللبتّيّ الشاعر ولمحسن الدمشقيّ، ونحن في الطارمة (?): اعملوا قطعة قطعة فمن جوّد جلعت جائزته كتبها فيها- فقلت [الكامل]:

بلغ السماء سموّ بي ... ت شيد في أعلى مكان

بيت علا حتّى تغوّ ... ر في ذراه الفرقدان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015