وَلَكنْ اكتُب مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "واللَّهِ إنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وإنْ كذَّبتُمُوني. اكتُب مُحمَّدُ بنُ عبْدِ اللَّهِ، عَلَى أنْ تُخلُّوا بينَنَا وَبينَ البيتِ فنطُوفَ بِهِ"، فَقَالَ سُهيلٌ: وَاللهِ لا تَتَحدَّثُ العَرَبُ أنَّا أُخِذنا ضُغْطةً، ولَكِنْ ذَلِكَ مِنْ العَامِ المُقبل، فَكَتبَ، فَقَالَ سُهيلٌ: وَعَلَى أن لا يَأتيكَ رَجُلٌ منَّا إِلا رَددتَهُ إلينا، فَقَالَ المُسلمُونَ: سُبحانَ اللَّهِ، كيفَ يُردُّ إلَى المُشْركينَ، وَقَدْ جَاءَ مُسلمًا؟ ! فبينا هُم كَذلكَ إذ جاءَ أَبُو جَندَل بنُ سُهيلٍ، يرسُفُ فِي قُيُودِهِ، فَقَالَ سُهيلٌ: هَذا يَا مُحمَّدُ، أَوَّلُ مَا أُقاضيكَ عَلَيهِ أنْ تُردَّهُ إِليَّ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "إنَّا لمْ نَقضِ الكتَابَ بعدُ"، قَال: فَوَاللَّهِ إذًا لا أُصَالحكَ عَلَى شيءٍ أبدًا، قَالَ: "أجزهُ لِي" قَالَ: مَا أَنَا بمُجيزهِ لَكَ. قَالَ: "بَلَى فَافْعَل"، قَالَ: مَا أنا بفَاعلٍ، قَالَ مكرزٌ: بَلْ قَدْ أَجزْناهُ لَكَ، فقام عُمَرُ فقال: أَلسْتَ نَبِيَّ اللَّهِ حقَّا؟ قَالَ: "بَلَى" قُلتُ: أَلسْنَا عَلَى الْحَقِّ، وَعَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: "بَلَى" قُلْتُ: فَلِمَ نُعْطِي الدَّنيَّةَ فِي دِيننَا إذًا؟ قَالَ: "إنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ نَاصِري"، قُلْتُ: أَلست كُنْتَ تُحَدِّثُنَا أنَّا نأتِي البيتَ فنطُوفُ بهِ؟ قَالَ: "بَلَى، أفَأخبرتُكَ أنَّك تَأتيهِ العَامَ؟ " قُلتُ: لا. قَالَ: "فإنَّكَ آتيهِ وَمُطَّوِّفٌ بهِ" قَالَ: فَأَتيتُ أَبَا بَكرٍ فقُلتُ له مثل ذلك، فقال لي مثل مقالةِ رَسُول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلما فَرَغ من قضية الكتاب، قال: "قُومُوا فَانحرُوا ثُمَّ احلقُوا" (?)، فَوَاللَّهِ مَا قَامَ منهُمْ رجُلٌ حتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاثَ مرَّاتٍ، فلمَّا لمْ يقُم أحد منهُم دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ فَذَكَر لَهَا مَا لقيَ مِنهم، فَقَالتْ: أَتُحبُّ ذَلِكَ؟ اخْرُج ولا تُكلِّمْ أَحَدًا مِنهُم كلمَةً، حتَّى تنحَرَ بُدنَكَ، وتَحلِقَ، فَفَعل، فلما رأَوا ذَلِكَ قامُوا فنحَرُوا، وَجَعَلَ بعضُهُم يحلقُ بعضًا، حتَّى كَادَ بعضُهُم يقتُلُ بعضًا غمًّا، ثُمَّ جَاءَ نسوةٌ مُؤمناتٌ، فَأَنزلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ} [الممتحنة: 10] ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المَدينةِ فَجَاءهُ أَبَو بَصيرٍ مُسلمًا فَأَرسلُوا فِي طَلَبهِ رَجُلينِ فَقَالُوا: العَهْد الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا، فَدَفَعَهُ إليهما، فَخَرَجَا بِهِ حتَّى