الله- أن المرتهن ضامن، ويترادان الفضل- وإن قامت بينة على الهلاك- وهو قول أشهب، وذكر القولين عن مالك محمد بن المواز في كتابه، فوجه سقوط الضمان هو أن المعنى الذي لأجله ضمناه عدم العلم بصدقه فيما يدعيه، فإذا علم صدقه، لم يبق سبب لإيجاب الضمان، ألا ترى أن ما يظهر هلاكه لا يضمنه؛ لأن العلم بصدقه يعلم من غير جهته، وكذلك إذا قامت البينة بهلاك ما يخفى هلاكه؛ ووجه وجوبه هو أن العلة إذا وضعت حسما للباب، لم تخصص في موضع من المواضع؛ ألا ترى أن منع قبول شهادة الأب لابنه، والابن لأبيه - لأجل التهمة الغالبة في الطباع، فحمل الباب محملا واحدا- ولم ينقض بنادر؛ وكذلك في مسألتنا أصل العروض والذهب والفضة مما يخفى هلاكه- وإن جاز أن يخرج من هذا الأصل- نادر بأن يعلم هلاكه بغير صنع المرتهن؛ لأن الحكم أجري مجرى واحدا على غالبه- حسما للباب.

وإن كان الرهن مما يظهر هلاكه نحو الدور والأرضين والحيوان وهلك، فهو من الراهن، ودين المرتهن ثابت على حاله؛ وقالت طائفة من أهل المدينة وأهل مكة وغيرهم، منهم الزهري وغيره إذا تلف الرهن، فهو في مال الراهن ودين المرتهن ثابت على حاله- كان مما يغاب عليه، أو مما لا يغاب عليه؛ وهذا على قول الشافعي، وأحمد بن حنبل؛ واحتجوا بحديث الزهري عن سعيد بن المسيب أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «الرهن ممن رهنه له غنمه وعليه غرمه». قالوا: فغنمه: زيادته ونماؤه، وغرمه نقصانه وذهابه.

فصل

والحجة لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في تفرقته بين ما يغاب عليه وما لا يغاب عليه، هي أن الرهن لم يجر مجرى الأمانات المحضة، ولا مجرى المضمون المحض؛ لأنه أخذ شبها من الأمرين، فلم يكن له حكم أحدهما على التحديد؛ وذلك لأن الأمانة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015