التسري بوجه من الوجوه ولا يحل له عندهم وطء فرج إلا بنكاح يأذن له سيده فيه، واستدلوا على ذلك بالإجماع على أن لسيده أن ينتزع منه كل ما له من المال من كسبه وغير كسبه، وبالإجماع على أنه لا يرث قرابته، قالوا فلما أجمعوا أن للسيد أن ينتزع مال عبده، دل ذلك على أنه كان لا يملكه، إذ لو كان يملكه لما صح له انتزاعه منه كما لا ينتزع الرجل مال مكاتبه؛ قالوا أيضا: ولما أجمعوا أن العبد لا يرث، دل على أن ما يحصل بيده من مال، إنما هو لسيده، وأنه لا يملكه؛ وحملوا إضافة رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المال إلى العبد في قوله: «من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا أن يشترطه المبتاع» - على المجاز، كما يقال: غنم الراعي، وسرج الدابة، وباب الدار، وهذا كله لا يصح.
فأما احتجاجهم بالإجماع على أن للسيد أن ينتزع مال عبده، فلا حجة لهم فيه؛ لأن الإجماع لا يتناول موضع الخلاف، إذ الخلاف بيننا وبينهم إنما هو قبل الانتزاع، وكذلك احتجاجهم بالإجماع على أن العبد لا يرث لا حجة لهم فيه؛ إذ لا يسلم لهم أن العلة في منع ميراث العبد أنه لا يملك، فلا يصح لهم ما استدلوا به إلا بعد إقامة الدليل على صحة العلة، ولا دليل لهم على صحتها إلا غالب ظنهم، إذ ليس في الكتاب ولا في السنة نص ولا تنبيه على أنها هي العلة، ولا أجمعت الأمة على ذلك، فليسوا بأسعد ممن يقول: إن العلة في ذلك عدم استقرار ملك العبيد على أموالهم.
فالعبد محجور عليه في ماله لا يجوز له فيه فعل بغير إذن سيده، ولا يجوز له أن يتجر إلا أن يأذن له سيده في التجارة؛ فإن أذن له فيها جاز له أن يتجر بالدين