يقعدون على أموال الناس، ويرضون بالسجن ويستخفونه ليأكلوا أموال الناس ويستهضمونها؛ هو الواجب الذي لا تصح مخالفته- إن شاء الله؛ وقد قال عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور. وما حكى ابن الهندي عن سحنون أنه قال في أمر ابن أبي الجواد إذ ضربه حتى مات- إن صح، فلا يدل على رجوعه عن مذهبه، وإنما يدل على ثبوته عليه واستبصاره فيه مع ورعه وفضله؛ لأنه قال: لم أقتله أنا وإنما قتله الحق، وأشفق مع ذلك إشفاق المؤمن الحذر الخائف لربه مخافة أن يكون جاوز في اجتهاده ائتساء بعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - في قوله: لو مات حمل بشاطئ الفرات ضياعا، لخشيت أن يسألني الله عنه.

فصل

فإن سأل المحبوس للتلوم والاختبار أن يعطي حميلا حتى يتبين حاله ويكشف عن أمره ولا يحبس، فقال في المدونة في هذا الوجه: يحبس أو يؤخذ عليه حميل، ولم يبين إن كان بالوجه أو بالمال؛ قال أبو إسحاق التونسي بالوجه دون المال في مذهب ابن القاسم - يريد حميلا بإحضاره عند انقضاء المدة التي يجب سجنه فيها لاختبار حاله، فإذا أحضره عندها برئ من الضمان وحبس إن تبين أن له مالا حتى يؤدي؛ وإن كان لم يتبين أن له مالا أطلق بعد اليمين، وإن لم يحضره غرم وإن تبين أنه عديم من أجل اليمين اللازمة له وإن سأل المحبوس للدد والتهمة- أن يعطي حميلا بوجه إلى أن يثبت عدمه، لم يمكن من ذلك؛ لأن التضييق بالسجن واجب عليه للتهمة اللاحقة به رجاء أن يؤدي، فإن أراد ألا يسجن أعطى حميلا غارما لا يسقط عنه الغرم إثباته للغريم المطلوب العدم؛ وكذلك إن أقام بينة بالعدم ولم تزك- قاله سحنون.

وأما إن أثبت العدم وسأل الطالب أن يعذر إليه في الشهود الذين شهدوا له بالعدم، فإن قدر على حميل بوجهه ليحضره فيعاد إلى السجن- إن دفع في البينة، أو يستحلف إن عجز عن الدفع؛ لم يسجن، وليس قول ابن القاسم بمخالف لقول سحنون في هذا الوجه، ولا قول سحنون بمخالف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015