غريم غني، وغريم معسر غير معدم، وغريم معسر معدم؛ فأما الغريم الغني، فتعجيل الأداء عليه واجب، ومطله به عليه حرام غير جائز؛ لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مطل الغني ظلم» وأما المعسر الذي ليس بمعدم - وهو الذي يحرجه تعجيل القضاء ويضر به، فتأخيره إلى أن يوسر ويمكنه القضاء من غير مضرة تلحقه، مرغب فيه ومندوب إليه؛ قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «من أنظر معسرا أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله». والآثار في ذلك كثيرة، والمطل بالأداء وهو جاهد فيه غير مقصر ولا متوان، غير محظور عليه إن شاء الله؛ وكان الشيوخ بقرطبة - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - يفتون بتأخيره بالاجتهاد على قدر المال وقلته، ولا يوكلون عليه في بيع عروضه وعقاره في الحال، وعلى ذلك تدل الروايات، خلاف ما كان يفتي به سائر فقهاء الأندلس من التوكيل عليه ببيع ماله وتعجيل إنصافه؛ وأمما المعسر المعدم فتأخيره إلى أن يوسر واجب، والحكم بذلك لازم؛ لقول الله عز وجل: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة: 280].
والغريم محمول على الملأ حتى يتبين عدمه - كان قد أخذ في الدين الذي يطلب به عوضا أو لم يؤخذ له عوضا؛ لأنه إن كان أخذ عوضا فهو مال قد حصل إليه، فلا يقبل منه دعوى العدم حتى يبينه؛ وإن كان لم يأخذ له عوضا، فالمعلوم من حال الناس التكسب وطلب المال، فهو محمول على ما يعلم من حال الناس وما جبلهم الله عليه؛ هذا قول أبي إسحاق وغيره، ويدخل- عندي- في هذا الوجه الآخر الاختلاف بالمعنى من مسألة الذي يغيب عن امرأته ثم تطلبه بالنفقة.
فصل
وحبس الغريم إنما يكون ما لم يظهر عدمه ويثبت فقره، والدليل على