فصل

وحكم الحاكم لا يحل حراما ولا يحرم حلالا على من علمه في باطن الأمر؛ لأن الحاكم إنما يحكم بما ظهر- وهو الذي تعبد به ولا ينقل الباطن عند من علمه عما هو عليه من تحليل أو تحريم، قال الله عز وجل: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، فلعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه، فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من النار». وهذا إجماع من أهل العلم في الأموال، واختلفوا في حل عصمة النكاح أو عقدها بظاهر ما يقضي به الحكم وهو خلاف الباطن، فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - والشافعي وجمهور أهل العلم إلى أن الأموال والفروج في ذلك سواء، لأنها حقوق كلها تدخل تحت عموم قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار».

فلا يحل منها القضاء الظاهر ما هو حرام في الباطن. وقال أبو يوسف وأبو حنيفة وكثير من أصحابه: إنما ذلك في الأموال خاصة؛ فلو أن رجلين تعمدا لشهادة بالزور على رجل أنه طلق امرأته فقبل القاضي شهادتهما لظاهر عدالتهما عنده- وهما قد تعمدا الكذب أو غلطا ففرق بشهادتهما بين الرجل والمرأة، ثم اعتدت المرأة، أنه جائز لأحد الشاهدين أن يتزوجها وهو عالم بأنه كاذب في شهادته؛ لأنها لما حلت للأزواج بالحكم في الظاهر، كان الشاهد وغيره سواء؛ لأن قضاء القاضي وحكمه فرق بينها وبين زوجها وقطع العصمة بينهما؛ ولولا ذلك ما حلت لزوج غيره؛ واحتجوا بحكم اللعان وقالوا: معلوم أن الزوجة إنما وصلت إلى فراق زوجها باللعان الكاذب الذي لو علم الحاكم كذبها فيه، ما فرق بينها وبين زوجها، ولحكم فيه بغير ذلك من وجوب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015