فصل

مسألتنا؛ لأن المجتهدين إذا اختلفا في اجتهادهما فأدى أحدهما اجتهاده إلى تحليل، والثاني إلى تحريم، فكل واحد منهما متعبد في نفسه بما أداه إليه اجتهاده، وليس في ذلك وجه من وجوه الاستحالة؛ لجواز ورود النص من عند الله تعالى به. فإذا جاز ورود النص به من عند الله لامتناع الاستحالة، وقام الدليل على أنه لا يجوز أن يأمر الله أحدا بشيء ويتعبده به- وهو خطأ عنده، وجب القول بتصويب المجتهدين وإن كان من أخطأ سمت القبلة باجتهاده فصلى إلى تلك الناحية مخطئ الكعبة فهو مصيب عند الله- وإن وقعت صلاته إلى غير القبلة؛ لأن غرضه إنما هو الاجتهاد في طلب السمت لا إدراكه؛ فالمختلفون باجتهادهم في طلب سمت القبلة مصيبون عند الله على هذا المعنى، وهذه جملة كافية لمن بصره الله وأفهمه في بيان صحة القول بتصويب المجتهدين، وهي من المسائل القطعيات.

فصل

فإذا صح القول بتصويب المجتهدين واستحال أن الحق في واحد بقيام الأدلة على ذلك، وجب أن يتأول قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر» على ما لا ينافي الدليل، فيقول ليس معنى قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث: أخطأ أي أخطأ الحق عند الله؛ لأن الحق عنده في جهة ما تعبده به أو إنما معناه أخطأ النص إن كان قد ورد في ذلك نص لم يعلم به، أو أخطأ في الحكم بالمال لمن لم يجب له في باطن الأمر، وذلك ممكن مع الحكم بالنص لا بالاجتهاد، وذلك مثل أن يكون لرجل على رجل حق بشهادة شاهدين عدلين فيهبه له أو يقبضه منه- ولم يعلم الشهود بذلك، ثم يقوم عليه بحقه أو على ورثته بشهادة شهيديه، فإن الحاكم يحكم له بشهادتهما ويعديه بحقه، فيكون مصيبا في الحكم عند الله بحكمه بنص الكتاب مخطئا في دفع المال إلى من لم يجب له فيه حق في باطن الأمر، وإذا احتمل الحديث هذه الوجوه، بطل الاحتجاج به في أن الحق واحد، وكذلك سائر ما يحتجون به ينفصل عنه بوجوه كثيرة من الانفصالات، وليس هذا موضع ذكرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015