فصل

وهذا في الصانع المشترك الذي قد نصب نفسه للناس، وأما الصانع الخاص الذي لم ينصب نفسه للعمل للناس، فلا ضمان عليه فيما استعمل إياه أسلم إليه أو عمله في منزل رب المتاع، وسواء على مذهب مالك استعمل الصانع بأجر أو بغير أجر، وخالفه أبو حنيفة فأسقط عنه الضمان إذا عمل بغير أجر؛ لأنه أشبه عنده المودع، وخالفهما الشافعي وأسقط الضمان عمل بأجر أو بغير أجر، والحجة عليه أن تضمينهم إجماع من الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -؛ لأن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب حكما بتضمينهم، وقال علي: لا يصلح للناس إلا ذلك، وقال يحيى بن سعيد: ما زال الخلفاء يضمنون الصناع، ولم يكن الخلفاء، ليضمنوهم والصحابة متوافرون إلا بعد مشورتهم واجتماع ملائهم على ذلك، وقد ادعوا على علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رواية أخرى مثل قولهم، ولم تثبت، ولو ثبتت لحمل ذلك على أنه قد رجع عنها إلى قول الجماعة، وإجماع الصحابة حجة على من بعدهم.

فصل

ومما يحتج به عليهم من طريق النظر: أنهم لما قبضوا السلع لمنفعتهم، لم يقيدوا قولهم في تلفها كالقراض على مذهبهم، والعارية؛ فإن قالوا: إنما ضمن المستعير؛ لأنه إنما قبض لمنفعة نفسه وحده، وليس كذلك الصناع، قبضوا لمنفعة أنفسهم ومنفعة أرباب السلع، قلنا: إنا لا نسلم أنهم قبضوا لمنفعة أنفسهم ومنفعة أرباب السلع، بل إنما قبضوا لمنفعة أنفسهم خاصة بدليل نصبهم أنفسهم لذلك، إلا أن انتفاع المالك شرط في حصول المنفعة للقابض ولو سلمنا اشتراكهم في المنفعة، لانتقض ذلك بالقراض؛ لأنهما مشتركان في منفعته. فإن قالوا: المعنى في تضمين المقارض: أنه تمليك بلا بدل. والجواب عن ذلك: أنه لا يمتنع أن تختلف أسباب الضمان، فيكون في بعضها لذلك، وفي بعضها لعلة أخرى، وهي ما ذكرناه من المصلحة والذريعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015