فصل
في وجه تضمين الصناع
الأصل في الصناع ألا ضمان عليهم وأنهم مؤتمنون؛ لأنهم أجراء وقد أسقط النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الضمان عن الأجراء في الائتمان، وضمنوهم نظرا واجتهادا،
لضرورة
الناس إلى استعمالهم؛ فلو علموا أنهم يؤتمنون ولا يضمنون، ويصدقون فيما يدعون من التلف؛ لتسارعوا إلى أخذ أموال الناس، واجترءوا على أكلها؛ فكان ذلك ذريعة إلى إتلاف الأموال وإهلاكها، وللحق أرباب السلع في ذلك ضرر شديد؛ لأنهم بين أن يدفعوها إليهم فيعرضونها للهلاك أو يمسكوها مع حاجتهم إلى استعمالها فيضر ذلك بهم إذ لا يحسن كل أحد أن يخيط ثوبه ويعمل جميع ما يحتاج إلى استعماله، فكان هذا من الأمور العامة الغالبة التي يجب مراعتها والنظر فيها للفريقين جميعا، فكان الحض في دفعها إليهم على التضمين حتى إذا علم إهلاكها بالبينة من غير تضييع، لم يضمنوا، لإزالة الضرر عنهم، كما إذا لم يعلم الهلاك والتلف ضمنوا لإزالة الضرر عن أهل الأموال. هذا قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ -؛ أنهم ضامنون لما غابوا عليه وادعوا تلفه ولم يعلم ذلك إلا بقولهم، ولا ضمان عليهم فيما ثبت ضياعه بالبينة من غير تضييع وتابعه على ذلك جميع أصحابه