بالدنانير والدراهم، ولو لم يقصر النهي على سببه وحمل على عمومه فيما بعد الدنانير والدراهم المخصوصة منه بالنص عليها، لخصصت العروض التي لا تنبت الأرض منه أيضا بالقياس على الدنانير والدراهم لأن القياس على الخصوص جائز يخصص به العموم، ومثل هذا قول الله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: 2]؛ فكان هذا عاما في كل زان وزانية، كانا حرين أو عبدين، ثم خص من ذلك الإماء بقوله عز وجل: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: 25]. ثم خص من ذلك العبيد بالقياس على الإماء بعلة الرق الجامعة بينهما؛ فكذلك ما عاد إلى مسألتنا؛ فإن نهي النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كراء المزارع عام خص من ذلك الكراء بالدنانير والدراهم بالنص، ثم خص من ذلك الكراء بالعروض التي لا تنبتها الأرض بالقياس على الدنانير والدراهم، بالعلة الجامعة بينهما، وهي أن الكراء بالعروض المعلومة التي لا تنبتها الأرض كراء بثمن معلوم لا غرر فيه ولا مزابنة ولا محاقلة ولا مخابرة، فجاز أصله الكراء بالدنانير والدراهم.

فصل

فما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في كراء الأرض أصح أقاويل أهل العلم في ذلك؛ لأنه استعمل الأحاديث المروية عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في هذا الباب، ولم يحمل شيئا منها على التعارض، بل جعل بعضها مركبة على بعض ومبينة لها، ولم يطرح شيئا منها، واستعمال الآثار عند أهل العلم أولى من طرحها ما أمكن ذلك ووجد السبيل إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015