رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرون المزارع بالثلث والربع وبما على الماذيانات وأقبال الجداول، فخرج نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كراء المزارع على ذلك فقصر عليه، وقيل في سبب النهي غير ذلك: «روي عن زيد بن ثابت أنه قال: يغفر الله لرافع بن خديج أنا والله أعلم بالحديث منه، إنما أتى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رجلان من الأنصار قد اقتتلا، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن كان هذا شانكم فلا تكروا المزارع». فسمع رافع قوله: لا تكروا المزارع، فحدث به.

فصل

وقد اختلف أهل العلم في اللفظ العام المستقل بنفسه الوارد على سبب، هل يقصر على سببه أو يحمل على عمومه على قولين، الأصح منهما عند أهل النظر أن يحمل على عمومه ولا يقصر على سببه؛ لأن الحجة إنما هي في قول صاحب الشرع ليس في السبب؛ لأن السبب لو انفرد لم تكن فيه حجة؛ ولو انفرد لفظ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لوجبت به الحجة؛ وأما نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كراء المزارع، فالأصح فيه أن يقصر على سببه ولا يحمل على عمومه، إذ قد خص بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنما يزرع ثلاثة: رجل له أرض فهو يزرعها ورجل منح أرضا فهو يزرع ما منح، ورجل أكرى بذهب أو ورق». وقد قال جماعة من أهل العلم: إن اللفظ العام إذا خص منه شيء عاد مجملا. وسقط الاحتجاج بعمومه وإن كان ليس هذا بمذهب مالك ولا أصحابه، فإنه يؤيد قصر النهي على سببه، وقد حكى أبو بكر الأبهري في كتابه أن مذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - أن يقصر اللفظ العام الوارد على سببه ولا يحمل على عمومه.

فصل

فإذا قصر نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كراء المزارع، على كرائها بالثلث والربع والماذيانات وأقبال الجداول لم يمنع مانع من كرائها بالدنانير والدراهم والعروض التي لا تنبتها الأرض مع النص الوارد عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في كرائها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015