لزارعه فيه عمل ولا كسب، وإنما الله تبارك وتعالى هو الذي يخرجه من الأرض وينبته فيها، وينقله بقدرته من حال إلى حال حتى يصير إلى حد الانتفاع به رحمة منه تعالى بعباده؛ لم يجز لذلك كراء الأرض بشيء مما يخرج منها وإن لم يؤكل، ولا بشيء من الطعام وإن لم يخرج منها؛ لأنه إن كان الذي أكري به طعاما، فإنما أعطى المكتري صاحب الأرض طعاما على أن يأخذ ما ينبته الله تعالى في أرضه من الطعام بعلاجه وعمله، فيدخله الطعام بالطعام إلى أجل مع التفاضل فيما لا يصح فيه التفاضل؛ وبيع الغرر والمزابنة، وهي المحاقلة التي نهى عنها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ وإن لم يكن طعاما وكان مثل الكتان والقطن وما أشبه ذلك، دخلته المزابنة، وكان ذلك من المخابرة التي نهى عنها النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لأنها مأخوذة من الخبر وهو حرث الأرض، فالمخابرة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها. وجاز بما سوى ذلك من الدنانير والدراهم والعروض والحيوان المعينة والموصوفة. هذا هو قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أصحابه.
وقد اختلف أهل العلم في كراء الأرض اختلافا كثيرا لتعارض ظواهر الآثار الواردة عن النبي - عَلَيْهِ السَّلَامُ - في ذلك. من ذلك نهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن كراء المزارع، روي ذلك عنه من رواية رافع بن خديج بألفاظ مختلفة، وروي عنه من رواية «جابر بن عبد الله أنه قال: خطبنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فقال: "من كانت له