والقياس أن يكون فيه القيمة على ما صرفها إليه بالغة ما بلغت سائغة للمكري؛ لأن العقد كان فاسدا، فيصحح بالقيمة إذا فات بصرفها إلى وجه مباح، وأما إذا كان أكراها منه كراء مبهما، فقال ابن حبيب: ذلك جائز، وإن علم أنه يبيع فيها خمرا، وله أن يمنعه من ذلك، وقال ابن القاسم في المدونة: الكراء فاسد إن علم أنه يبيع فيها خمرا، وقد تقدم الحكم فيه واتفقا في العنب أنه لا يجوز أن يبيعها ممن يعلم أنه يعصرها خمرا، والفرق بينهما عند ابن حبيب أن العنب يغيب المبتاع عليه فلا يقدر البائع على منعه من عصره بخلاف بيع الخمر في داره، واختلف إذا وقع فقيل يفسخ فيه البيع وقيل يباع على المبتاع والله أعلم.
واختلف في كراء بيوت مكة؛ فكان سفيان الثوري لا يرى أن تكرى ولا يرى على من سكنها بأسا أن يمسك الكراء، وهو مذهب أبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ - وأكثر أصحابه؛ لأنهم ذهبوا إلى أن مكة فتحت عنوة، وذهب الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إلى أنها مؤمنة والأمان كالصلح، فرأى أهلها مالكين لرباعهم، وأجاز بيعها وكراءها، ولا خلاف عند مالك وأصحابه في أنه افتتحت عنوة، فقيل: إنه - عَلَيْهِ السَّلَامُ - من على أهلها بها. فلم تقسم ولا سبى أهلها لما عظم الله من حرمتها، وقيل: إنها أقرت للمسلمين، وعلى هذا يأتي اختلافهم في جواز كرائها، فالظاهر من مذهب ابن القاسم في المدونة إجازة ذلك، والظاهر من قول مالك في سماع ابن القاسم من كتاب الحج المنع في ذلك، وحكى الداودي عنه أنه كره كراءها في أيام الموسم، وقال اللخمي: اختلف قوله في كراء دور مكة وبيعها؛ فمنع من ذلك مرة، وحكى أبو جعفر الأبهري عنه أنه كره بيعها وكراءها، فإن بيعت أو أكريت لم يفسخ