يختلف أصحاب مالك في جملة هذا، واختلفوا في تفصيله على ما سيأتي في موضعه من الكتاب إن شاء الله، (والثاني) ما استوى البائع والمبتاع في المعرفة به، وذلك ما كان من العيوب ظاهرا لا يخفى، وأما ما يمكن التدليس به فإنه على ثلاثة أوجه، (أحدها) أن لا يحط من الثمن شيئا ليسارته، أو لأن المبيع لا ينفك منه، (والثاني) أن التدليس يحط من الثمن يسيرا، (والثالث) أن يحط منه كثيرا؛ فأما ما لا يحط من الثمن شيئا ليسارته، أو لأن المبيع لا ينفك منه، فإنه لا حكم له، وأما ما يحط من الثمن يسيرا فإنه لا يخلو من أن يكون في الأصول أو في العروض، فإن كان في الأصول فإنه لا يجب به الرد وإن كان المبيع قائما، وإنما الواجب فيه الرجوع بقيمة العيب، وذلك كالصدع في الحائط وما أشبه ذلك؛ وأما إن كان في العروض، فظاهر الروايات في المدونة وغيرها أن الرد يجب به كالكثير سواء، وقيل: إنه كالأصول، لا يجب الرد به وإنما فيه الرجوع بقيمته، وعلى هذا كان الفقيه ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - يحمل ظاهر الروايات حيثما وقعت ويقول: لا فرق بين الأصول في ذلك والعروض، ويؤيد تأويله في ذلك أن زيادا روى عن مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيمن ابتاع ثوبا فإذا فيه خرق يسير يخرج في القطع أو نحوه من العيوب، لم يرد به، ووضع عنه قدر العيب، وكذلك هو في جميع الأشياء. وقعت هذه الرواية في الكتاب الجامع لقول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - المؤلف للحكم، وفي المختصر الكبير نحوه. قال: ولا يرد من العيوب إلا من عيب كثير ينقص ثمنه وتخاف عاقبته ولا ينظر في ذلك إلى ما يرده التجار، فانظر في ذلك.
ولا أعرف للمتقدمين من أصحابنا حدا في اليسير الذي لا يجب الرد به في العقار أو في الدور والعروض على أحد القولين، وقد رأيت لابن عتاب - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أنه سئل عن العيب الذي يحط من الدار ربع الثمن، فقال: ذلك كثير يجب الرد به، وقال ابن القطان: إن كان قيمة العيب مثقالين فهو يسير يرجع المبتاع