باستمرار العمل بالمدينة على خلاف ما قدمناه؛ وقد روي عن ابن عمر راوي الحديث ما يدل على أنه حديث ترك العمل بظاهره في زمن الصحابة بالمدينة، إما لنسخ علموه فيه، وإما لتأويل تأولوه عليه، وذلك أنه قال: "بعت من عثمان أمير المؤمنين ما بالوادي بمال لي بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من عنده خشية أن يراد في البيع، وكانت السنة أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا " ولا يقال: كان كذا وكذا، إلا لما قد كان وذهب، لا لما هو قائم ثابت بعد؛ وفي قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كانت السنة، يريد حين مبايعته عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، وذلك بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إشكال، لأن النسخ لا يكون بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا وجه لقوله عندي - والله أعلم: كانت السنة، إلا أنه أراد: أي كانت السنة عندي وفي مذهبي - على ما كنت أحمل عليه الحديث، أن المراد بالتفرق فيه التفرق بالأبدان؛ وهذا يدل على أنه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رجع عن مذهبه في أن البيعين بالخيار ما لم يفترقا بأبدانهما - إلى أن البيع يلزم المتبايعين بتمام البيع بالكلام - وإن لم يفترقا عن مجلسهما.
فإن قيل: إذا قلت في حديث البيعين بالخيار: إن المتبايعين هما المتساومان، بطلت فائدة الحديث؛ إذ لا يشك أحد أن المتساومين كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتم البيع بالكلام، هذا معلوم بالفطرة لا يحتاج إلى بيان؛ فالجواب عن ذلك أن فائدة الحديث لا تبطل، لأن المستفاد منه على ما تأولناه: أن البيع يلزم بمجرد العقد، إلا أن يكون البيع شرط فيه الخيار فيثبت فيه الخيار على حسبما شرط فيه، وبكون الاستثناء في قوله: إلا بيع الخيار، مما يقتضيه لفظ الحديث ويدل عليه، كأنه قال: المتبايعان كل واحد منهما على صاحبه بالخيار ما لم يفترقا، فإن تفرقا، معناه باللفظ، فلا خيار لهما إلا في بيع الخيار وهذا بين.
فصل
وقد يحتمل أن تكون فائدة الحديث والمراد به عند من ذهب إلى أن الفرقة