حديث أبي هريرة الواقع في الكتاب: «لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها»، دليل بين على أن الخبر عنها بمنزلة النظر إليها، وإذا جاز أن يسلم الرجل إلى الرجل في ثوب أو عبد على صفة، ولم يكن ذلك غررا، جاز أن يبتاعه على الصفة ولا يكون ذلك غررا، إذ لا فرق بين الموضعين، ومن الدليل أيضا على جواز البيع على الصفة قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تبيعوا الحب في سنبله حتى يبيض في أكمامه» فإذا جاز بيع الحب في أكمامه وهو غير مرئي على صفة ما فرك منه إن كان حاضرا، جاز أن يشتري منه إذا كان غائبا على صفة، إذ لا فرق إذا غاب المبيع بين أن يبيعه على الصفة أو على مثال يريه إياه، وهذا الحديث أيضا حجة في بيع الجزر والفجل وما أشبه مما هو مغيب تحت الأرض، لأنه يقلع منه شيء فيستدل به على بقيته، ويستدل عليه أيضا بفروعه.
ومن هذا بيع الجوز واللوز والباقلاء في قشره الأعلى، فأجازه مالك وأصحابه؛ خلافا للشافعي وأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، ودليلنا قَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] ولأنه مأكول في أكمام من أصل الخلقة، فجاز بيعه كالرمان والموز، ولأن
الضرورة تدفع
إلى ذلك، لما بالناس من الحاجة إلى بيع ذلك رطبا، إذ ليس كل أحد يمكنه تجفيفه، وفي نزع قشره إفساد له، فلم يبق إلا جواز البيع، بيد أنه لا يجوز الاجتزاء بالصفة عن النظر إلا مع الضرورة إلى ذلك، لأن النظر أبلغ في المعرفة من الصفة، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «ليس المعاينة كالخبر».