إن الغائب لا يجوز بيعه على الصفة، لأنه لا عين مرئية ولا صفة مضمونة ثابتة في الذمة، وخلافا لأبي حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في قوله: إن شراء الغائب على الصفة وعلى غير الصفة جائز، وللمبتاع خيار الرؤية إذا نظر إليها، وقد روي عن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مثل هذا القول، والصحيح ما ذهب إليه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وجميع أصحابه من أن شراء الغائب على الصفة جائز، وذلك للمبتاع لازم - إن وجد الغائب على الصفة التي وصف بها، لأن الصفة تقوم مقام رؤية الموصوف، قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا تنعت المرأة المرأة للزوج حتى كأنه ينظر إليها» أو كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فشبه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المبالغة في الصفة بالنظر، وقال الله تبارك وتعالى: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة: 89] وجه الدليل من هذه الآية أن اليهود كانوا يجدون في التوراة نعت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصفته، فكانوا يحدثون بذلك ويستفتحون به على الذين كفروا؛ أي يستنصرون به على كفار العرب، يقولون: اللهم آت بهذا النبي الذي يقتل العرب ويذلهم؛ لأنهم كانوا يرجون أن يكون منهم؛ فلما بعثه الله تعالى من العرب ولم يكن منهم، حسدوه وكفروا به، فقال لهم معاذ بن جبل، وبشر بن البراء بن معرور: يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا، فقد كنتم تستفتحون علينا بمحمد ونحن أهل شرك، وتخبروننا أنه مبعوث وتصفونه لنا بصفته؛ فقالوا: ما جاءنا بشيء نعرفه، وما هو هذا الذي كنا نخبركم به، فأنزل الله عز وجل تكذيب قولهم في كتابه، وذلك قوله: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} [البقرة: 89] فلما قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا} [البقرة: 89] وهم لم يعرفوه قبل إلا بصفته التي وجدوها في التوراة، دل ذلك على أن المعرفة بالصفة معرفة بعين الشيء الموصوف، وذلك ما أردنا أن نحتج له، وفي قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015