ومما يدل على ما تأولنا عليه حديثه، قوله - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إنكم تزعمون أنا نعلم أبواب الربا، ولأن أكون أعلمها أحب إلي من أن يكون لي مثل مصر وكورها، ولكن من ذلك أبواب لا تخفى على أحد: أن تباع الثمرة وهي معصفة لم تطب، وأن يباع الذهب بالورق والورق بالذهب نسيئا، فأخبر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أن من وجوه الربا ما هو بين جلي، لنص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليه؛ وباطن خفي لعدم النص فيه، وتمنى أن تكون جميع وجوه الربا ظاهرة جلية يعلمها بنص النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عليها، ولا يفتقر إلى طلب الأدلة في شيء منها، والله عز وجل لما أراد أن يمتحن عباده ويبتليهم فرق بين طرق العلم، فجعل منه ظاهرا جليا، وباطنا خفيا؛ ليعلم الباطن الخفي بالاجتهاد والنظر من الظاهر الجلي، فيرفع بذلك الذين آمنوا والذين أوتوا العلم درجات، قال الله عز وجل: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ} [آل عمران: 7].
فصل
والربا على وجهين: ربا في النقد، وربا في النسيئة، فأما الربا في النقد فلا يكون إلا في الصنف الواحد من نوعين، (أحدهما): الذهب والورق، (والثاني) ما كان من الطعام مدخرا مقتاتا أو مصلحا للقوت أصلا للمعاش غالبا، في قول بعضهم، وأما الربا في النسيئة فيكون في الصنف الواحد وفي الصنفين، فأما في الصنف الواحد فهو في كل شيء من جميع الأشياء، لا يجوز واحد باثنين من صنفه