فصل

وقد اختلف في لفظ الربا الوارد في القرآن: هل هو من الألفاظ العامة التي يفهم المراد بها وتحمل على عمومها حتى يأتي ما يخصها، أو من الألفاظ المجملة التي لا يفهم المراد بها من لفظها وتفتقر في البيان إلى غيرها؟ على قولين، والذي يدل عليه قول عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: كان من آخر ما أنزل الله على رسوله آية الربا، فتوفي رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يفسرها لنا، أنها من الألفاظ المجملة المفتقرة إلى البيان والتفسير، ولم يرد عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بقوله: إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - توفي قبل أن يفسرها، أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يفسر آية الربا ولا بين المراد بها، وإنما أراد - والله أعلم - أنه لم يعم جميع وجوه الربا بالنص عليها، للعلم الحاصل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد نص على كثير منها، من ذلك: تحريمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التفاضل بين الذهبين والورقين، وأن يباع من ذلك شيء غائب بناجز، ونهيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن بيع وسلف، وعن بيع ما ليس عندك، وعن بيعتين في بيعة، وعن بيع الملامسة والمنابذة، وعن بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها، وما أشبه ذلك، لأن هذه الأحاديث تحمل على البيان والتفسير لما أجمل الله في كتابه من ذكر الربا وما لم ينص عليه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من وجوه الربا، فإنه أحال فيه على طرق ذلك، أدلة الشرع وبين وجوهها، وما توفي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلا بعد أن كمل الدين وبعد أن بين كل ما بالمسلمين الحاجة إلى بيانه، قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: 3].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015