يلزمه إظهار ما رأى؛ لأنه يخاف أن يلحقه نسب ليس منه، فجعل له إذا أنكر حملا لم يعرف له سببا أن ينكره، وجعل له إذا عاين الزنا وشاهده من زوجته أن يخبر به، ثم جعل له المخرج من ذلك باللعان لضرورته إليه، ولم يجعل ذلك لغيره إذ لا ضرورة به إلى ذلك.
واللعان على مذهب مالك وجميع أصحابه وأكثر أهل العلم يكون بين كل زوجين إلا أن يكونا كافرين، كانا حرين أو عبدين أو محدودين أو ذمية تحت مسلم على ظاهر قول الله عز وجل: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6]، ولم يخص حرا من عبد ولا محدودا من غير محدود ولا كافرا من مسلم، خلافا لأبي حنيفة وأصحابه في قولهم: إنه لا يلاعن العبد ولا المحدود في القذف، قالوا: لأن المراد من الآية من تجوز شهادته من الأزواج؛ لأن الله استثناهم من الشهداء بقوله: ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فسماهم شهداء بذلك؛ إذ المستثنى من جنس المستثنى منه، وقال: فشهادة أحدهم، فدل على أن اللعان شهادة، والعبد والمحدود لا تجوز شهادتهما. وليس ذلك بصحيح؛ لأن الاستثناء منقطع، والمعنى فيه ولو لم يكن لهم شهداء غير قولهم الذي ليس بشهادة، كما قالوا الصبر حيلة من لا حيلة له، والجوع زاد من لا زاد له. فاللعان يمين وليس من الشهادة بسبيل، وإنما أخذ من باب المشاهدة بالعين والقلب فسمي شهادة لهذه العلة، ولذلك قال مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في أحد أقواله: إن من قال لامرأته يا زانية ولم يقل رأيت ولا نفى حملا إنه يحد ولا يلاعن؛ لأن ذلك أحد من المشاهدة. فالرجل يقول في لعانه أشهد بالله لقد رأيتها تزني وأشهد بالله ما هذا الولد مني، فالأول مأخوذ من باب المشاهدة بالنظر، والثاني من باب المشاهدة بالقلب.
فشهادة الرجل على ما يدعي مشاهدته ومعرفته، وشهادة المرأة أيضا على ما تدعي علمه ومعرفته وهي عالمة بصدقه أو كذبه، فكل واحد منهما موكل إلى علمه، وإن كان أحدهما كاذبا لا محالة وكيف يصح أن يشبه اللعان بالشهادة ويقاس عليها والعدل لا تقبل شهادته لنفسه ولو حلف مائة يمين؛ لأنه خصم، ولا تجوز شهادته أيضا لغيره عند بعض العلماء إذا حلف