التلوم له على قدر ما ينصرف من هرب أو انهزم. فإن كانت المعركة على بعد من بلاده مثل إفريقية من المدينة ضرب لامرأته أجل سنة ثم تعتد وتتزوج ويقسم ماله. وقيل: إن العدة داخلة في التلوم، اختلف في ذلك قول ابن القاسم. والصواب أن العدة داخلة في التلوم؛ لأنه إنما تلوم له مخافة أن يكون حيا، فإذا لم يوجد له خبر حمل أمره على أنه قتل في المعركة فاعتدت امرأته من ذلك اليوم وقسم ماله على ورثته يومئذ. وإن كانت بموضع لا يظن أن له بقاء لقربه واتضاح أمره اعتدت امرأته من ذلك اليوم. وقيل: إن الأندلس كلها كبلدة واحدة، فلا يتلوم له وتعتد امرأته من ذلك اليوم وتتزوج إن شاءت ويقسم ماله، وإنما يضرب له أجل سنة إذا كانت المعركة بعيدة مثل إفريقية من مصر، ومصر من المدينة، قاله عيسى بن دينار.
والثاني رواية أشهب عن مالك أنه يضرب له أجل سنة ثم تعتد امرأته وتتزوج ولا يقسم ماله حتى يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله، وهو قول الأوزاعي وتأويل أحمد بن خالد على رواية أشهب. والتأويل الصحيح فيها أنه يقسم ماله بعد السنة، وهو قول ثالث في المسألة، وهذا كله إذا شهدت البينة العدلة أنه شهد المعترك. فأما إن كانوا إنما رأوه خارجا في جملة العسكر ولم يروه في المعترك فحكمه حكم المفقود في زوجته وماله باتفاق، والله سبحانه وتعالى أعلم.