العمل بها، إذ لا يمكن أن يروي الراوي الحديث ثم يترك العمل به إلا وقد علم النسخ فيه، إذ لو تركه وهو لا يعلم أنه منسوخ لكان ذلك جرحا فيه، وليس ذلك عندنا بصحيح، لاحتمال أن يكون تركه لتأويل تأوله فيه فلا يلزم غيره من العلماء اتباعه على ما تأوله باجتهاده. فلعل عائشة تأولت أن ذلك رخصة لها في شأن أفلح خاصة كما تأول سائر أزواج النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في رضاعة سالم، فرجعت إلى ظاهر قَوْله تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء: 23] ولهذا المعنى اختلف العلماء في التحريم بلبن الفحل على ما ذكرناه عنهم والله أعلم.
فصل
في رضاعة الكبير
ولا تحرم رضاعة الكبير، وإنما يحرم منها ما كان في وقت الرضاعة كما قال سعيد بن المسيب: لا رضاعة إلا ما كان في المهد وإلا ما أنبت اللحم والدم، وذلك مروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وحد ذلك ما حده الله في كتابه حيث يقول: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]. وما قرب من الحولين فله حكمهما عند أكثر أصحابنا لوجود معنى تحريم الرضاعة فيه، وهو انتفاع الصبي به وكونه له غذاء، ومن طريق اختلاف الشهور بالزيادة والنقصان، وقد قال الله عز وجل: {حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} [البقرة: 233]. واختلف في حد القرب ما هو، فقيل اليوم واليومان، وقيل الأيام اليسيرة، وقيل الشهر ونحوه، وقيل الشهر والشهران، وهو قوله في المدونة، وقيل الشهر والشهران والثلاثة، وهي رواية الوليد بن مسلم عن مالك. وهذا إذا لم يفصل قبل ذلك فصالا يستغني فيه عن الرضاع بالطعام والشراب، فإن فصل قبل ذلك واستغنى بالطعام والشراب عن الرضاع فما أرضع بعد ذلك فلا يكون رضاعا تقع به الحرمة على ظاهر قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لا رضاع بعد فطام» وهو مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك. وذهب مطرف