اليسير الذي لا قدر له ولا بال لقيمته، لكونه في معنى الموهوبة التي خص الله بها نبيه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دون المؤمنين فقال: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ} [الأحزاب: 50]، وجب أن يعتبر الحد فيه برده إلى بعض الأصول التي ورد التوقيت بها وإن لم تكن في معناه، فجعل حد أقل الصداق ثلاثة دراهم اعتبارا بأقل ما تقطع فيه يد السارق، وهذا اعتبار صحيح؛ لأن الله تعالى أوجب قطع يد السارق مطلقا دون تقييد بمقدار كما أوجب الصداق في النكاح مطلقا دون تقييد بمقدار، وقام الدليل على أنه لا يستباح قطع يد السارق إذا سرق الشيء اليسير الذي لا بال له ولا قدر لقيمته كالخيط وشبهه، كما قام الدليل على أنه لا يستباح الفرج بمثل ذلك من النزر الحقير. فلما وجد ما يقطع فيه يد السارق مقيدا في السنة بمقدار وجب أن يحمل النكاح المطلق عليه.
وذهب أهل العراق إلى أنه لا يجوز النكاح بأقل من عشرة دراهم اعتبارا بما يجب فيه القطع في مذهبهم، والسنة ثابتة عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بخلاف ذلك. ثبت في الحديث «أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وبه أثر صفرة، فسأله رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأخبره أنه تزوج، فقال له رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كم سقت إليها، قال زنة نواة من ذهب، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أولم ولو بشاة»، وزنة النواة خمسة دراهم ولم تكن من ذهب، وإنما كانوا يسمون الخمسة زنة نواة من ذهب، فهذا يرد مذهبهم ويبطله.
فصل
وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه يجوز النكاح بالدرهم والدرهمين وبالشيء اليسير، منهم ابن وهب من أصحابنا. والصحيح ما ذهب إليه مالك رحمه