الذات أن ذاتها نجست بحلول صفات الخمر فيها كما حرمت بذلك. ألا ترى أنها قد كانت طاهرة حلالا حين كونها عصيرا قبل حلول صفات الخمر فيها، فلما حلت فيها صفات الخمر نجست بذلك وحرمت به. فلما كان حلول صفات الخمر في العصير علة في تحريمه وتنجيسه وجب إذا ارتفعت منها تلك الصفات التي هي العلة في التحريم والتنجيس أن يزول الحكم بزوال العلة، وهذا ما لا خلاف فيه بين أحد من القايسين أن الحكم الواجب لعلة شرعية يزول بزوال العلة ما لم تخلفه علة أخرى موجبة لمثل حكمها. فلا خلاف بين أحد من المسلمين أعلمه في أن الخمرة نجسة ولا في أنها إذا تخللت من ذاتها تطهر فتحل إلا ما ذهب إليه ابن لبابة في أن نجاستها مختلف فيه وأن قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - فيها أن أكلها حلال إذا تخللت أو عالجها رجل حتى تخللت يدل أنها عنده ليست بنجسة وإن حرم شربها، إذ ليس كل حرام نجسا. من ذلك الحرير والذهب للرجل وما لا يؤكل لحمه وغير ذلك، وأن كراهيته للخمر التي تعالج بالحيتان حتى تصير مريا خلاف ذلك، وأنه على القول بأنها نجسة تنجس ما حلت فيه من الماء والطعام كسائر النجاسات.
وقوله خطأ صراح، بل لا اختلاف في أنها نجسة تنجس الثياب والماء والطعام، ولا اختلاف في أنها إذا تخللت من ذاتها تحل وتطهر. وإنما اختلفوا إذا خللت هل تؤكل أم لا على اختلافهم في وجه المنع من تخليلها، إذ قد قيل: إن المنع من تخليلها عبادة لا لعلة، وقيل بل منع من ذلك لعلة وهي التعدي والعصيان في اقتنائها. وقيل: بل العلة في ذلك التهمة لمقتنيها في أن لا يخللها إذا غاب عليها فيحكم عليه بإراقتها لذلك ولا يمكن من تخليلها. فعلى القول بأن المنع من تخليلها عبادة لا علة لا يجوز تخليلها في موضع من المواضع. ويتخرج جواز أكلها إذا خللت على قولين جاريين على اختلافهم في النهي، هل يقتضي فساد المنهي عنه أم لا يقتضيه. وعلى القول بأن المنع من تخليلها لعلة يجوز تخليلها إذا ارتفعت العلة. فمن رأى أن العلة في ذلك التعدي والعصيان في اقتنائها أجاز لمن تخمر له عصير لم يرد به الخمر أن يخلله، وقال: إنه إن خلل ما عصى في اقتنائه لم يأكله عقوبة. ومن رأى العلة في ذلك التهمة لمقتنيها في أن لا يخللها إذا غاب