نزلت برجل من الجزارين في ثور فرفع الأمر إلى صاحب الأحكام ابن مكي فشاور في ذلك الفقهاء فأفتى الفقيه ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أن أكلها جائز وأن للجزار أن يبيعها إذا بين ذلك. وأفتى ابن حمدين أن أكلها لا يجوز وأمر أن تطرح في الوادي. فرأى ابن مكي أن يأخذ بقول ابن حمدين وأمر أن تطرح في الوادي، فأخذها الأعوان ليذهبوا بها إلى الوادي، فسمعت العامة والضعفاء أن الفقيه ابن رزق أجاز أكلها فتألبوا على الأعوان وأخذوها من أيديهم وتوزعوها فيما بينهم ونهبوها وذهبوا بها لمكانة الفقيه ابن رزق - رَحِمَهُ اللَّهُ - في نفوسهم من العلم والمعرفة. والذي أفتى به هو الصواب عندي لما قدمته من الموجود المعلوم بالاعتبار، والتوفيق بيد الله. واختلف في اندقاق العنق من غير أن ينقطع النخاع، فروى ابن القاسم عن مالك رحمهما الله تعالى أنه ليس بمقتل، وروى ابن الماجشون ومطرف عن مالك أنه مقتل. وفي انشقاق الأوداج من غير قطع فقال ابن عبد الحكم: ليس مقتلا، وقال أشهب وغيره من أصحاب مالك: هو مقتل. وأما إذا لم ينفذ ما أصابها من ذلك لها مقتلا ورجيت حياتها فلا اختلاف أنها تذكى وتؤكل إذا علم أنها كانت حية حين الذكاة بوجود علامات الحياة بها، وهي خمسة: سيلان الدم، وطرفة العين، وركض الرجل، وتحريك الذنب، واستفاضة نفسها في حلقها. وهذه العلامات الخمس راجعة إلى اثنتين، وهي سيلان الدم، وتحرك الذبيحة، أو ما يقوم مقام التحرك من استفاضة نفسها في حلقها الذي يعلم أنه لا يكون إلا مع الحياة.

فصل

فإن وجدت العلامتان جميعا في المكسورة التي لم ينفذ مقاتلها الكسر وهي مرجوة الحياة عند ذكاتها فإنها تؤكل باتفاق. وإن وجد منها سيلان الدم دون التحرك أو ما يقوم مقامه لم تؤكل، وهو ظاهر قول مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في الموطأ، ولا اختلاف في ذلك أعلمه. وإن وجد منها التحرك أو ما يقوم مقامه من استفاضة نفسها بدون سيلان الدم جرى ذلك على الاختلاف في التي يئس من حياتها إذا لم ينفذ ذلك لها مقتلا؛ لأن دمها إذا لم يسل حين الذبح فقد علم أنها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015