فأما الاستثناء بحرف الاستثناء فإنه أيضا على وجهين: أحدهما الاستثناء بإلا أو بما كان في معناها من حروف الاستثناء. والثاني الاستثناء بأن وبإلا أن. فأما الاستثناء بإلا فالمشهور في المذهب أنه لا بد فيه من تحريك اللسان. وقد روى أشهب عن مالك في كتاب النذور أن النية تجزئ في ذلك، وقاله ابن حبيب في الذي يحلف بالحلال علي حرام ويستثني في نفسه إلا امرأته. وأما الاستثناء بأن وبإلا أن فلا تجزئ فيه النية ولا بد من تحريك اللسان ولا خلاف في ذلك أعلمه.
وأما الاستثناء بغير حرف الاستثناء فهو أن يقيد العموم بصفة؛ لأن ذلك يقتضي إخراج من ليس على تلك الصفة من ذلك العموم فهو استثناء بالمعنى وله حكم الاستثناء في أن لا ينفع إلا بتحريك اللسان واتصاله بالكلام. مثل ذلك أن يقول والله ما رأيت اليوم قرشيا عاقلا؛ لأنه بمنزلة أن يصل بها إلا أحمق، وذلك منصوص في رواية ابن القاسم - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - في كتاب الأيمان بالطلاق في الذي يسأل الرجل عن وديعة قد كان استودعه إياها فيحلف بالطلاق إن كانت في بيته فيلقنه رجل في علمك فيقول: في علمي إنه استثناء، ينفعه إن كان الكلام نسقا ولم يكن بينهما صمات. ومثله في سماع أشهب عن مالك في كتاب النذور في الرجل يحلف ويستثني فيقول: في علمي أن ذلك له؛ لأن قوله: امرأتي طالق إن كانت الوديعة في بيتي في علمي بمنزلة قوله: امرأتي طالق إن كانت الوديعة في بيتي، إلا أن أكون غير عالم بها، فهو استثناء بالمعنى. فإن قال الرجل امرأتي طالق إن كانت الوديعة في بيتي ولا نية له يصح الاستثناء بأن يقول في علمي أو بأن يقول إلا أن أكون غير عالم بها إذا وصل ذلك بيمينه ولم يكن بينهما صمات. ولا ينفعه أن ينوي ذلك بعقب اليمين، وإنما تنفعه النية إذا عقد عليها يمينه من أول ما حلف. فافهم هذا المعنى وقس عليه فإنه جيد خفي جدا.
والاستثناء لا يكون إلا من وجهين: أحدهما العدد المسمى. والثاني اللفظ الذي يقتضي العموم وهو يحتمل الخصوص.