وينهزموا عنه، وأما اليوم فلهم الانهزام. وحكى ابن حبيب في الواضحة عن يزيد بن أبي حبيب أنه قال: أوجب الله لمن فر يوم بدر النار، ثم كانت أحد بعدها فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]، ثم كانت حنين بعدها فأنزل الله: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ - ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ} [التوبة: 25 - 26] {ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 27]، فنزل العفو فيمن تولى من بعد يوم بدر. والصحيح أن تحريم الفرار من الزحف ليس بمخصوص بيوم بدر، وأنه عام في كل زحف إلى يوم القيامة. وكان تعبد الله به نبيه موسى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - له، ثم لم ينسخه بعد ذلك حتى صار من شريعة نبينا محمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. والدليل على ذلك «ما روي أن رجلا من اليهود قال لآخر: اذهب بنا إلى هذا النبي، فقال له الآخر: لا تقل هذا النبي فإنه إن سمعها كانت له أربعة أعين. فانطلقا إليه فسألاه عن تسع آيات بينات، فقال: أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا، ولا تفروا من الزحف، ولا تسحروا، ولا تأكلوا الربا، ولا تمشوا ببريء إلى سلطانه ليقتله، وعليكم يهود أن لا تعدوا في السبت. فقالوا نشهد أنك لرسول الله. وفي بعض الآثار فقبلوا يديه ورجليه وقالوا نشهد أنك نبي». وهذا الحديث يخرج مخرج التفسير لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ} [الإسراء: 101] [وما روي عن ابن عباس من رواية عكرمة في تفسير قَوْله تَعَالَى تسع آيات بينات]، فقال اليد،