يوجب قط على المسلمين أن يثبتوا لأكثر من عشرة أمثالهم، ثم نسخ الله ذلك تخفيفا ورحمة فقال: {الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 66]، فأباح الله تعالى للمسلمين الفرار من عدوهم إذا زاد عددهم على الضعف وخشوا أن يغلبوهم. وقد اختلف في تأويل الضعف فقيل هو في العدد فيلزم المسلمين أن يثبتوا لمثلي عددهم من المشركين وإن كانوا أشد منهم سلاحا وأظهر جلدا وقوة، وهو قول أكثر أهل العلم. وقيل في تأويل ذلك في الجلد والقوة، ويلزمهم أن يثبتوا لأكثر من الضعف إذا كانوا أشد منهم سلاحا وأكثر جلدا وقوة ولا يلزمهم أن يثبتوا لهم وإن كانوا أقل من الضعف إذا كان المشركون أشد منهم سلاحا، وأكثر جلدا وقوة وخافوا أن يغلبوهم، وهو قول ابن الماجشون وروايته عن مالك. والفرار من الزحف إذا كان العدو أقل من ضعف المسلمين في العدة أو في الجلد والقوة على ما ذكرناه من الاختلاف من الكبائر على مذهب مالك وأصحابه. وقد قال ابن القاسم لا تجوز شهادة من فر من الزحف. ولا يجوز لهم الفرار وإن فر إمامهم لقول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} [الأنفال: 16] الآية. وهذا ما لم يبلغ عدد المسلمين اثني عشر ألفا. وإن بلغ اثني عشر ألفا لم يحل لهم الفرار وإن زاد عدد المشركين على الضعف، لقول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لن تغلب اثنا عشر ألفا من قلة» فإن أكثر أهل العلم خصصوا هذا العدد بهذا الحديث من عموم الآية. وروي عن مالك ما يدل على ذلك من مذهبه، وقوله للعمري العابد إذ سأله هل له سعة في ترك مجاهدة من غير الأحكام وبدلها: إن كان معك اثنا عشر ألفا مثلك فلا سعة لك في ذلك. وقد قيل إن قول الله عز وجل: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [الأنفال: 16] خاص في أهل بدر لأنهم لم يكن لهم أن يتركوا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مع عدوه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015