عباس وابن عمر، ولا مخالف لهم من الصحابة. وأما الاحتجاج على ذلك بالآية فإنه ضعيف، إذ لو وجب بها الصيام على كل معتكف لذكر الاعتكاف فيها مع الصيام لوجب فيها أيضا الاعتكاف على كل صائم لذكر الصيام فيها مع الاعتكاف. وقد استدل بعض من ذهب إلى الاحتجاج للشافعي على جواز الاعتكاف بغير صوم بأن الليل يدخل على المعتكف فيكون فيه معتكفا وهو غير صائم. وهذا لا يلزم، لأن دخول الليل الذي لا يصح فيه الصوم على المعتكف لا يخرجه من حرمة اعتكافه وإن كان غير صائم فيه، كما أن خروج المعتكف إلى ما لا بد له منه كحاجة الإنسان لا يخرجه من حرمة اعتكافه وإن كان الاعتكاف لا يصح إلا في المسجد فلو جاز أن يعتكف من غير صوم من أجل أن الليل هو فيه معتكف غير صائم لجاز أن يعتكف في الطرقات والكنف لأنه فيها عند خروجه معتكف في غير المسجد. فإذا لم يلزم هذا في الخروج الذي هو من فعله فأحرى أن لا يلزم في الليل الذي ليس من فعله. والحجة الصحيحة لنا من طريق النظر، إذ لم يوجد شيء يعول عليه في ذلك من جهة الأثر. ولا حجة في مجرد أقوال العلماء مع اختلافهم في أن الاعتكاف لبث في موضع يتقرب به إلى الله تعالى، فوجب أن يكون بتحرم وهو الصيام، كما أن اللبث بمنى وعرفة والمزدلفة لا يكون قربة إلا بالتحرم بحرمة الحج.

فصل

والاعتكاف في جميع أيام السنة جائز إلا في الأيام التي نهى رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن صيامها، وهن يوم الفطر وأيام التشريق.

فصل

وهو من نوافل الخير، اعتكف رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأزواجه والمسلمون، ولم يكن السلف الصالح على شيء من أعمال البر أقل تعاهدا منهم على الاعتكاف، وذلك لشدته، ولأن ليله ونهاره سواء، ولأن من دخل فيه لزمه الإتيان به على شرائطه وقد لا يفي بها. ولذلك كرهه مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - وقال في المجموعة: وما زلت أفكر في ترك الصحابة الاعتكاف وقد اعتكف النبي - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - حتى قبضه الله وهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015