والسلام فوجب الاقتداء به في ذلك دون وجوب؛ لقول الله عز وجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21]، وقد بين ذلك عمر بن الخطاب بقوله إن الله لم يكتبها علينا إلا أن نشاء. فمن سجد على مذهب مالك أجر، ومن ترك السجود لم يأثم إلا من جهة الرغبة عن إتيان السنن. وذهب أبو حنيفة إلى أن السجود واجب من تركه أثم. وقول مالك هو الصحيح إذ ليس في وجوب ذلك نص في القرآن ولا في السنة ولا اجتمعت عليه الأمة، والفرائض الواجبات لا تؤخذ إلا من أحد هذه الوجوه الثلاثة.
وأما معرفة من يجب عليه السجود فيها ممن لا يجب ففي ذلك تفصيل: أما التالي للقرآن في صلاة أو في غير صلاة فيجب عليه السجود في مواضع السجود بإجماع، إلا أنه يكره للإمام أن يقرأ بسورة فيها سجدة لئلا يخلط على من خلفه. وقد قيل: إنه يجوز له أن يقرأها إذا كان من خلفه قليلا وأمن أن يخلط على أحد منهم. وأما فيما يسر فيه فلا يقرأ بسورة فيها سجدة بحال. وقد استحب ابن القاسم للمنفرد ترك القراءة بسورة فيها سجدة في الفريضة لئلا يدخل على نفسه سهوا بذلك في صلاته، وقال: إنه هو الذي رأى مالكا يذهب إليه. وأما المستمع للتلاوة فإن جلس لاستماع تلاوة التالي على سبيل التعليم والحفظ سجد بسجوده إن سجد، واختلف هل يجب عليه السجود إن لم يسجد. وإن جلس لاستماع تلاوته ابتغاء الثواب في ذلك لم يجب عليه السجود إن لم يسجد، واختلف إن سجد هل يجب عليه السجود بسجوده أم لا على قولين. وهذا كله إذا كان التالي ممن تصح إمامته. وأما إن جلس إليه ليقرأ السجدة فيسجد لسجوده فلا يسجد لسجوده؛ لأن ذلك مكروه من الفعل. واختلف في المعلم والمقرئ يجلس لقراءة القرآن عليه، فقيل: إنه يسجد في أول ما تمر به سجدة بسجود القارىء عليه إذا كان بالغا، وليس عليه سجود بعد ذلك كلما جاءت سجدة. وقيل: ليس ذلك عليه ولا في أول مرة.