البصر، وجارحة الأذن فإن منفعتها المختصة بها السمع، وكجارحة اليد فإن منفعتها المختصة بها البطش واللمس، وكجارحة اللسان فإن منفعتها المختصة بها الكلام. فما كان من هذه الجوارح التي لها منافع تختص بها فالدية المسماة فيها إنما تجب لذهاب المنفعة المختصة بها، وهي تبع لها إذا ذهبت بذهابها. فإذا ذهبت الجارحة على انفراد دون المنفعة ففيها حكومة أو دية كاملة. مثال هذا الذي ذكرناه أن من أذهب بصر رجل وعينه قائمة فعليه الدية كاملة، وإن أذهب بصره وفقأ عينه ففيه أيضا الدية كاملة وتكون جارحة العين تبعا للبصر. وكذلك الأذن مع السمع، فإن قطع أشراف الأذنين وبقي السمع ففيها على مذهب ابن القاسم حكومة. وكذلك إن كان الرجل أصم فقطع رجل أذنيه ففيهما حكومة، أو كان أعمى قائم العينين ففقأ عينيه ففيهما حكومة.
واختلف في محل العقل فذهب مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - إلى أن محله القلب، وهو مذهب المتكلمين من أهل السنة. وذهب ابن الماجشون من أصحابنا إلى أن محله الرأس، وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الاعتزال. والحجة لمالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول الله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الحج: 46]. وقال تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} [الأعراف: 195] فأضاف تعالى العقل إلى القلب لما كان موجودا به وحالا فيه، كما أضاف البصر إلى العين والسمع إلى الأذن والبطش إلى اليد لما كان كل شيء من ذلك حالا في جارحته المضافة إليه. فمن أصيب بمأمومة فذهب منها عقله فله على مذهب مالك دية العقل ودية المأمومة، لا يدخل بعض ذلك في بعض، إذ ليس الرأس عنده بمحل للعقل ولا يختص به كمن أذهب سمع رجل وفقأ عينه في ضربة واحدة. وعلى مذهب أبي حنيفة وابن الماجشون