والثاني: أن ذلك شبه العمد فلا قصاص فيه وفيه الدية المغلظة في ماله وهو قول جل أهل العلم ورواية العراقيين عن مالك. وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أن شبه العمد إنما هو في النفس لا في الجراح. والقول الأول أصح، والدليل عليه حديث أنس في شأن أم الربيع. روي في الصحيح «أن ابنة النضر أخت الربيع لطمت جارية فكسرت سنها فاختصموا إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فأمر بالقصاص، فقالت أم الربيع: يا رسول الله أتقتص من فلانة والله لا تقتص منها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: سبحان الله يا أم الربيع القصاص في كتاب الله. فقالت والله لا تقتص منها أبدا. قال فما زالت حتى قبلوا الدية، فقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره» كذا وقع في كتاب مسلم أن الجارية أخت الربيع عمة أنس بن مالك راوي الحديث وأن الحالف الذي قال فيه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أنس بن النضر». ووقع في رواية القابسي من كتاب الحدود أن الجارحة أخت الربيع مثل ما في كتاب مسلم. ويجب على الجارح مع القصاص الأدب على مذهب مالك لجرأته. وقال عطاء بن أبي رباح: الجروح قصاص ليس للإمام أن يضربه ولا أن يسجنه إنما هو القصاص وما كان ربك نسيا، ولو شاء لأمر بالضرب والسجن.

وأما إن عمد على وجه اللعب ففي ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: وجوب القصاص على أنه عمد.

والثاني: نفيه وتغليظ الدية على أنه شبه العمد.

والثالث: أنه خطأ ففيه الدية غير مغلظة على العاقلة إن زاد على الثلث على الاختلاف في الضرب إذا كان على وجه اللعب فمات منه. وكذلك إذا عمد على وجه الأدب ممن يجوز له الأدب، فيجري ذلك على ما ذكرته من الاختلاف في النفس فلا معنى لإعادته.

فصل

ومن هذه الجوارح ما تختص بمنافع كجارحة العين فإن منفعتها المختصة بها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015