وأما الجائفة فإنها من جراح البدن لا من شجاج الرأس وهي ما وصل إلى الجوف ولو بمدخل إبرة، فلا تكون إلا في الظهر أو البطن، وفيها ثلث الدية عمدا كانت أو خطأ إذ لا قود فيها لأنها من المتالف. واختلف قول مالك فيها إذا أنفدت، فقال مرة فيها ثلث الدية، وقال مرة فيها ثلثا الدية.
فصل
وليس عند مالك - رَحِمَهُ اللَّهُ - في شيء من جراح البدن عقل مسمى ما عدا الجائفة. وذكر في موطأه عن سعيد بن المسيب أنه قال في كل نافذة في عضو من الأعضاء ثلث دية ذلك العضو ولم يأخذ به. وإنما قاله سعيد بن المسيب والله أعلم قياسا على الجائفة لما كانت جراحة تنفذ إلى الجوف، والجوف مقتل، وكان فيها ثلث الدية، جعل في كل جرح ينفذ عضوا من الأعضاء خطأ ثلث دية ذلك العضو. وهذا نحو ما روي عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال في موضحة الجسد نصف عشر دية ذلك العضو قياسا على موضحة الرأس لما كان مقتلا.
فصل
فالجراح في الرأس والجسد تنقسم على قسمين: أحدهما: الخطأ، والثاني: العمد. فأما الخطأ فلا قصاص فيه ولا أدب، وإنما فيه الدية في مال الجاني إن كان أقل من ثلث ديته أو ثلث دية المجني عليه على اختلاف قول مالك في ذلك. فإن كان الثلث فأكثر فعلى العاقلة. هذا مذهب مالك وأصحابه، وهو قول الفقهاء السبعة من أهل المدينة وقول ابن أبي ذئب وعبد العزيز بن أبي سلمة. وقال الشافعي: تحمل العاقلة القليل والكثير من الدية دية الخطأ. ومن حجته أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لما حمل العاقلة الأكثر دل على أنها تحمل الأقل، لأنها إذا حملت الكل فقد حملت كل جزء من أجزائها. وقال أبو حنيفة: تحمل العاقلة من جناية الرجل ما بلغ نصف عشر ديته، ومن جناية المرأة ما بلغ نصف عشر ديتها.