فالجراح تقع على ما كان في الرأس وفي الجسد ويختص ما كان منها في الرأس دون الجسد باسم الشجاج، فكل شجة جرح وليس كل جرح شجة.
فصل
فقول الله عز وجل: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] عام فيما كان في الرأس وفي سائر البدن، إلا أنه ليس على عمومه في العمد والخطأ، بل المراد بها العمد دون الخطأ، بدليل إجماعهم على أنه لا قصاص في الخطأ لقول الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] فأوجب الدية والكفارة دون القصاص. ولا هو على عمومه أيضا في جميع جراح العمد، بل المراد به منها ما أمكن القصاص فيه ولم يخش إتلاف النفس منه. والدليل على أنه لا قود فيما كان مخوفا ما روي «أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رفع القود في المأمومة والمنقلة والجائفة» فكذلك ما في معناها من الجراح التي هي متالف عظام الرقبة والصلب والصدر وكسر الفخذ ورض الأنثيين وما أشبه ذلك. والدليل على أنه لا قصاص فيما لا يمكن القصاص منه مثل ذهاب بعض النظر وبعض السمع وبعض العقل هو أن القصاص مأخوذ من قص الأثر أي اتباعه، فهو أن يتبع الجارح بمثل الجرح الذي جرح فيؤخذ منه دون زيادة عليه ولا نقصان منه، فإذا لم يقدر على ذلك ارتفع التكليف به لقول الله عز وجل: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] فخص من عموم قَوْله تَعَالَى: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [المائدة: 45] جراح الخطأ كلها وبعض جراح العمد، وبقية الآية محكمة فيما أمكن القصاص فيه من جراح العمد ولم يخش منه ذهاب النفس.